{ عبس وتولّى 1 أن جاءه الأعمى 2 وما يدريك لعله يزّكّى 3 أو يذّكّر فتنفعه الذكرى 4 أما من استغنى 5 فأنت له تصدّى 6 وما عليك ألاّ يزّكّى 7 وأما من جاءك يسعى 8 وهو يخشى 9 فأنت عنه تلهّى 10 كلاّ إنها تذكرة 11 فن شاء ذكره 12 في صحف مكرّمة 13 مرفوعة مطهّرة 14 بأيدي سفرة 15 كرام بررة 16 }
عبس : قطّب وجهه الشريف صلى الله عليه وسلم .
تولى : أعرض بوجهه الشريف صلى الله عليه وسلم .
لعله يزكى : يتطهر بتعليمك من دنس الجهل .
1 ، 2 ، 3 ، 4- عبس وتولّى* أن جاءه الأعمى* وما يدريك لعله يزّكّى* أو يذّكّر فتنفعه الذكرى .
يجئ رجل فقير ضرير ، هو عبد الله بن مكتوم ، وأم مكتوم كنية أمه ، واسمها عاتكة بنت عبد الله المخزومية ، وقد أسلم بمكة قديما ، وكان أعمى ، وقد عمي بعد إبصار ، وقيل : ولد أعمى .
أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم وعنده صناديد قريش وأشرافها ، والرسول صلى الله عليه وسلم يدعوهم إلى الإسلام رجاء أن يسلم بإسلامهم خلق كثير ، فقال ابن أم مكتوم ، يا رسول الله ، أقرئني وعلّمني مما علمك الله ، وكرر ذلك ، وهو لا يعلم انشغاله صلى الله عليه وسلم بالقوم ، فكره صلى الله عليه وسلم قطعه لكلامه ، وظهرت الكراهية في وجهه ، فعبس وأعرض عنه ، فنزلت هذه الآيات عتابا لرسول الله صلى الله عليه وسلم .
بصيغة الحكاية عن أحد آخر غائب غير المخاطب ، وفي هذا الأسلوب ، إيحاء بأن الأمر موضوع الحديث من الكراهة عند الله بحيث لا يحب سبحانه أن يواجه به نبيه وحبيبه ، عطفا عليه ورحمة به ، وإكراما له عن المواجهة بهذا الأمر الكريه .
قطّب النبي صلى الله عليه وسلم وجهه وأعرض لأن عبد الله بن أم مكتوم الأعمى جاء إليه ساعيا ، طالبا من الرسول صلى الله عليه وسلم أن يعلّمه ، والأعمى لم يكن مشاهدا للأشخاص الذين انشغل النبي صلى الله عليه وسلم بمحاورتهم ومحاولة إقناعهم بالإسلام والقرآن والإيمان .
وما يدريك لعله يزّكّى* أو يذّكّر فتنفعه الذكرى .
وما يعلمك يا محمد ، لعل هذا الأعمى الفقير يصير زاكيا متطهرا من الذنوب بسبب ما يتعلمه منك ، أو يتذكر فيتعظ بما تعلّمه من المواعظ فتنفعه الموعظة .
وكان هذا التصرف من رسول الله صلى الله عليه وسلم بمثابة ترك الاحتياط وترك الأفضل ، وأراد الحق سبحانه أن يوجّه الأمة كلها في شخص رسولها صلى الله عليه وسلم ، أن تكون العناية بالمخبر لا بالمظهر ، فهذا الأعمى الفقير له رغبة في معرفة الحق وتعلّم أمور الدين ، فالاتجاه إليه وتعليمه أولى من الانشغال بالأغنياء الأقوياء ، المعرضين عن الحق وعن الإسلام .
قال الشيخ محمد عبده في تفسير جزء عمّ ما يأتي :
فكأنه يقول : يا أيها النبيّ ، إن أقبلت فأقبل على العقل الذكيّ ، والقلب النقيّ ، وإياك أن تنصرف عنه إلى ذي الجاه القوي ، والمكان العليّ ، فذلك إنسان بنفسه ، حيّ بطبعه ، وهذا غائب عن حسّه ، معدوم بذاته ، موجود بجمعه ، وفي ذلك من تأديب الله لأمة محمد صلى الله عليه وسلم ما لو تأدبوا به لكانوا اليوم أرشد الأمم –هداهم الله .
وما يدريك لعله يزّكّى* أو يذّكّر فتنفعه الذكرى .
يتجه التعبير إلى الخطاب ، فيقول للرسول صلى الله عليه وسلم : وما يعلمك يا محمد ، لعل هذا الأعمى الفقير –إذا علّمته- أن يتطهر ، وأن تشرق نفسه ، وأن يسمو قلبه ، أو أن تتسلل الذكرى إلى نفسه ، والموعظة إلى فؤاده ، فتنفعه هذه الذكرى ، وتوجهه إلى الخير والنفع .
أن جاءه الأعمى : لأن الأعمى جاء عنده .
عبس : قطّب وجهه من ضيق الصدر .
نزلت هذه السورةُ الكريمة في عبدِ الله بن أُم مكتوم ابن خالِ خديجة بنتِ خويلد رضي الله عنها ، وكان رجلاً أعمى ، ومن أول الناس إسلاما . وكان من المهاجرين الأولين والمؤذِّنَ الثاني لرسول الله ، وقد استخلفه الرسولُ الكريم على المدينة ، وكان يصلّي بالناس مرارا . وقد جاء هذا الرجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، وعنده جماعة من زعماءِ قريش منهم : عتبة وشَيبة ابنا ربيعة ، وأبو جهلٍ عمرو بن هشام ، والعباسُ بن عبد المطلب ، وأُميةُ بن خلف ، والوليدُ بن المغيرة . وكان النبي الكريم محتفياً بهم يدعوهم إلى الإسلام ويرغّبهم فيه رجاءَ أن يُسلموا ، لأنه يعلم أنهم إذا أسلموا تَبِعَهم خَلْقٌ كثير .
فجاء ابنُ أُم مكتوم وقال : يا رسولَ الله ، أرشِدني ، وعلِّمني مما علمك الله . . وكرر ذلك وهو لا يعلم من عنده . فكره الرسولُ قَطْعَه لكلامه ، وظهر ذلك على وجهه ، إذ عَبَسَ وأعرض عنه .
وقد عاتب الله نبيَّه الكريمَ بأنّ ضَعْفَ ذلك الأعمى وفقره لا ينبغي أن يكون باعثاً على كراهةِ كلامه والإعراضِ عنه ، فإنه حيُّ القلب ذكيُّ الفؤاد ، إذا سمع الحكمةَ وعاها ، فيتطهَّرُ بها من أوضارِ الشِرك .
لأجل-{[71592]} { أن جاءه الأعمى * } الذي ينبغي أن يبالغ في العطف عليه وفي إكرامه جبراً لكسره واعترافاً بحقه في مجيئه ، وذكره{[71593]} بالوصف للإشعار بعذره{[71594]} في الإقدام على قطع الكلام والبعث على الرأفة به-{[71595]} والرحمة له ، فكان النبي صلى الله عليه وآله وسلم إذا رآه بعد ذلك قال : " مرحباً بمن عاتبني فيه ربي " واستخلفه على المدينة الشريفة عند غزوه مرتين ، قال أنس بن مالك رضي الله عنه{[71596]} : ورأيته يوم القادسية عليه درع ومعه راية سوداء رضي الله عنه .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.