في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{إِذَا ٱلسَّمَآءُ ٱنفَطَرَتۡ} (1)

مقدمة السورة:

سورة الانفطار مكية وآياتها تسع عشرة

تتحدث هذه السورة القصيرة عن الانقلاب الكوني الذي تتحدث عنه سورة التكوير . ولكنها تتخذ لها شخصية أخرى ، وسمتا خاصا بها ، وتتجه إلى مجالات خاصة بها تطوف بالقلب البشري فيها ؛ وإلى لمسات وإيقاعات من لون جديد . هادئ عميق . لمسات كأنها عتاب . وإن كان في طياته وعيد !

ومن ثم فإنها تختصر في مشاهد الانقلاب ، فلا تكون هي طابع السورة الغالب - كما هو الشأن في سورة التكوير - لأن جو العتاب أهدأ ، وإيقاع العتاب أبطأ . . وكذلك إيقاع السورة الموسيقي . فهو يحمل هذا الطابع . فيتم التناسق في شخصية السورة والتوافق !

إنها تتحدث في المقطع الأول عن انفطار السماء وانتثار الكواكب ، وتفجير البحار وبعثرة القبور كحالات مصاحبة لعلم كل نفس بما قدمت وأخرت ، في ذلك اليوم الخطير . .

وفي المقطع الثاني تبدأ لمسة العتاب المبطنة بالوعيد ، لهذا الإنسان الذي يتلقى من ربه فيوض النعمة في ذاته وخلقته ، ولكنه لا يعرف للنعمة حقها ، ولا يعرف لربه قدره ، ولا يشكر على الفضل والنعمة والكرامة : ( يا أيها الإنسان ما غرك بربك الكريم الذي خلقك فسواك فعدلك ? في أي صورة ما شاء ركبك ) . .

وفي المقطع الثالث يقرر علة هذا الجحود والإنكار . فهي التكذيب بالدين - أي بالحساب - وعن هذا التكذيب ينشأ كل سوء وكل جحود . ومن ثم يؤكد هذا الحساب توكيدا ، ويؤكد عاقبته وجزاءه المحتوم : ( كلا . بل تكذبون بالدين . وإن عليكم لحافظين كراما كاتبين . يعلمون ما تفعلون . إن الأبرار لفي نعيم . وإن الفجار لفي جحيم . يصلونها يوم الدين . وما هم عنها بغائبين ) . .

فأما المقطع الأخير فيصور ضخامة يوم الحساب وهوله ، وتجرد النفوس من كل حول فيه ، وتفرد الله سبحانه بأمره الجليل : ( وما أدراك ما يوم الدين ? ثم ما أدراك ما يوم الدين ? يوم لا تملك نفس لنفس شيئا ، والأمر يومئذ لله ) . .

فالسورة في مجموعها حلقة في سلسلة الإيقاعات والطرقات التي يتولاها هذا الجزء كله بشتى الطرق والأساليب .

( إذا السماء انفطرت ، وإذا الكواكب انتثرت ، وإذا البحار فجرت ، وإذا القبور بعثرت . علمت نفس ما قدمت وأخرت ) . .

وقد تحدثنا في السورة الماضية عن الإيحاء الذي يتسرب في الحس من رؤية هذا الكون تتناوله يد القدرة بالتغيير ، وتهزه هزة الانقلاب المثير ، فلا يبقى شيء على حاله في هذا الكون الكبير . وقلنا : إن هذا الإيحاء يتجه إلى خلع النفس من كل ما تركن إليه في هذا الوجود ، إلا الله سبحانه خالق هذا الوجود ، الباقي بعد أن يفنى كل موجود . والاتجاه بالقلب إلى الحقيقة الوحيدة الثابتة الدائمة التي لا تحول ولا تزول ، ليجد عندها الأمان والاستقرار ، في مواجهة الانقلاب والاضطراب والزلزلة والانهيار ، في كل ما كان يعهده ثابتا مستقرا منتظما انتظاما يوحي بالخلود ! ولا خلود إلا للخالق المعبود !

ويذكر هنا من مظاهر الانقلاب انفطار السماء . . أي انشقاقها . وقد ذكر انشقاق السماء في مواضع أخرى : قال في سورة الرحمن : ( فإذا انشقت السماء فكانت وردة كالدهان ) . . وقال في سورة الحاقة : ( وانشقت السماء . فهي يومئذ واهية ) . . وقال في سورة الانشقاق : ( إذا السماء انشقت . . . ) . . فانشقاق السماء حقيقة من حقائق ذلك اليوم العصيب . أما المقصود بانشقاق السماء على وجه التحديد فيصعب القول به ، كما يصعب القول عن هيئة الانشقاق التي تكون . . وكل ما يستقر في الحس هو مشهد التغير العنيف في هيئة الكون المنظور ، وانتهاء نظامه هذا المعهود ، وانفراط عقده ، الذي يمسك به في هذا النظام الدقيق . .

 
تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته [إخفاء]  
{إِذَا ٱلسَّمَآءُ ٱنفَطَرَتۡ} (1)

مقدمة السورة:

تفسير سورة الانفطار

أهداف سورة الانفطار

( سورة الانفطار مكية ، وآياتها 19 آية ، نزلت بعد سورة النازعات )

وقد بدأت سورة الانفطار مثل سورة التكوير بالحديث عن أهوال القيامة ، لكنها تحدثت عنها في أسلوب مختصر ، وإيقاع هادئ عميق ، يمكن تقسيم السورة إلى ثلاث فقرات :

الفقرة الأولى : من بداية السورة إلى الآية الخامسة ، وتتحدث عن انفطار السماء ، وانتثار الكواكب ، وتفجير البحار ، وبعثرة القبور ، كحالات مصاحبة لعلم كل نفس بما قدّمت وأخّرت في ذلك اليوم الخطير .

الفقرة الثانية : من الآية ( 2 ) إلى الآية ( 8 ) ، وتبدأ بلمسة العتاب المبطنة بالوعيد ، لهذا الإنسان الذي يتلقى من ربه فيوض النعمة في ذاته وخلقته ، ولكنه لا يعرف للنعمة حقها ، ولا يعرف لربه قدره ، ولا يشكر على الفضل والنعمة والكرامة .

الفقرة الثالثة : من الآية ( 9 ) إلى الآية ( 19 ) ، تقرر علة الجحود والنكران ، فهي التكذيب بالدين –أي بالحساب- وعن هذا التكذيب ينشأ كل سوء وكل جحود ، ومن ثم تؤكد هذا الحساب توكيدا ، وتؤكد عاقبته وجزاءه المحتوم ، وتصور ضخامة يوم الحساب وهوله ، وتجرد النفوس من كل حول فيه ، وتفرد الله سبحانه بأمره الجليل .

مع آيات السورة

تبدأ السورة بتصوير نهاية العالم واختلال نظامه ، وانفراط عقده ، ويتمثل ذلك في أمرين علويين وأمرين سفليين : أما الأمران العلويان فهما انفطار السماء وانتثار الكواكب ، وأما الأمران السفليان فهما تفجير البحار وبعثرة القبور .

1- إذا انشقت السماء وتغير نظامها ، فلم يبق نظام الكواكب على ما نرى ، وهذا عند خراب العالم بأسره .

قال تعالى : ويوم تشقّق السماء بالغمام ونزّل الملائكة تنزيلا* الملك يومئذ الحق للرحمان وكان يوما على الكافرين عسيرا . ( الفرقان : 25 ، 26 ) .

2- وفي هذا اليوم تتساقط الكواكب وتتفرق : وإذا الكواكب انتثرت . أي : تساقطت متفرقة ، والكواكب تجري الآن في أفلاكها بسرعات هائلة ، وهي ممسكة في داخل مداراتها لا تتعداها ، فإذا انشقت السماء تبع ذلك سقوط الكواكب وانتثارها ، وذهابها في الفضاء بددا ، كما تذهب الذرة التي تنفلت من عقالها .

3- وفي هذا اليوم تزول الحواجز بين البحار ، فيختلط العذب بالملح ، وتغمر البحار اليابسة ، وتطغى على الأنهار ، كما يحتمل أن يكون تفجيرها هو تحويل مائها إلى عنصريه : الأكسجين والهيدروجين .

4- وإذا القبور بعثرت . أي : أثيرت وقلب أعلاها أسفلها ، وباطنها ظاهرها ، ليخرج من فيها من الموتى أحياء للحساب والجزاء .

5- عند حدوث كل هذه الظواهر كل نفس ما قدّمت من الطاعات وما أخّرت من الميراث .

6- 8-يا أيها الإنسان ما غرّك بربك الكريم* الذي خلقك فسوّاك فعدلك . أي شيء خدعك حتى ضيعت ما أوجب عليه ربك ، وصرت تقصر في حقه ، وتتهاون في أمره ، ويسوء أدبك في جانبه ، وهو ربك الكريك الذي أغدق عليك من كرمه وفضله وبرّه ، فخلقك سويا ، معتدل القامة ، متناسب الخلق ، من غير تفاوت فيه ( فلم يجعل إحدى اليدين أطول ، ولا إحدى العينين أوسع ، ولا بعض الأعضاء أبيض وبعضها أسود )i .

في أي صورة ما شاء ركّبك . أي : ركبك في صورة هي من أعجب الصور وأتقنها وأحكمها ، وقد كان قادرا أن يركبك في أية صورة أخرى يشاؤها ، فاختار لك هذه الصورة السوية المعتدلة الجميلة .

وإن الإنسان لمخلوق جميل التكوين ، سوى الخلقة ، معتدل التصميم ، وإن عجائب الإبداع في خلقه لأضخم من إدراكه هو ، وأعجب من كل ما يراه حوله ، وإن الجمال والاعتدال ليظهر في تكوينه الجسدي ، وفي تكوينه العقلي ، وفي تكوينه الروحي سواء ، وهي تتناسق في كيانه في جمال واستواء .

وهناك مؤلفات كاملة في وصف كمال التكوين الإنساني العضوي ، ودقته وإحكامه ، وتؤكد جلال القدرة المبدعة التي أبدعت خلق الإنسان في أحسن تقويم ، ويسرت خلقه من نطفة ثم من علقة ثم من مضغة ، ثم سوّته خلقا كاملا ، فتبارك الله أحسن الخالقين . ( المؤمنون : 14 ) .

( وهذه الأجهزة العامة لتكوين الإنسان الجسدي ، الجهاز العظمي ، والجهار العضلي ، والجهاز الجلدي ، والجهاز الهضمي ، والجهاز الدموي ، والجهاز التنفسي ، والجهاز التناسلي ، والجهاز الليمفاوي ، والجهاز العصبي ، والجهاز البولي ، وأجهزة الذوق والشم والسمع والبصر ، كل منها عجيبة لا تقاس إليها كل العجائب الصناعية التي يقف الإنسان مدهوشا أمامها ، وينسى عجائب ذاته ، وهي أضخم وأعمق وأدق بما لا يقاس ) . ii .

وتقول مجلة العلوم الإنجليزية : إن يد الإنسان في مقدمة العجائب الفذة ، وإنه من الصعب جدا –بل من المستحيل- أن يبتكر آلة تضارع اليد البشرية ، من حيث البساطة والقدرة وسرعة التكييف ، فحينما تريد قراءة كتاب تتناوله بيدك ، ثم تثبته في الوضع الملائم للقراءة ، وهذه اليد هي التي تصحح وضعه تلقائيا ، وحينما تقلب إحدى صفحاته تضع أصابعك تحت الورقة ، وتضغط عليها بالدرجة التي تقلبها بها ، ثم يزول الضغط بقلب الورقة ، واليد تمسك القلم وتكتب به ، وتستعمل كافة الآلات التي تلزم الإنسان من ملعقة إلى سكين ، إلى آلة الكتابة ، وتفتح النوافذ وتغلقها ، وتحمل كل ما يريده الإنسان ، واليدان تشتملان على سبع وعشرين عظمة ، وتسع عشرة مجموعة من العضلات لكل منهما )iii .

( وإن جزءا من أذن الإنسان ( الأذن الوسطى ) هو سلسلة من نحو أربعة آلاف حنية ( قوس ) دقيقة معقدة ، متدرجة بالغ في الحجم والشكل ، ويمكن القول بأن هذه الحنيات تشبه آلة موسيقية ، ويبدو أنها معدة بحيث تلتقط وتنقل إلى المخ بشكل ما ، كل وقع صوت أو ضجة ، من قصد الرعد إلى حفيف الشجر ، فضلا عن المزيج الرائع من أنغام كل أداة موسيقية في الأوكسترا ووحدتها المنسجمة )iv .

( ومركز حاسة الإبصار في العين ، التي تحتوي على مائة وثلاثين مليونا من مستقبلات الضوء ، وهي أطراف الأعصاب ، ويقوم بحمايتها الجفن ذو الأهداب الذي يقيها ليلا ونهارا ، والذي تعتبر حركته لا إرادية ليمنع عنها الأتربة والذرات والأجسام الغريبة ، كما يكسر من حدة الشمس بما تلقى الأهداب على العين من ظلال ، وحركة الجفن علاوة على هذه الوقاية تمنع جفاف العين ، أما السائل المحيط بالعين والذي يعرف باسم الدموع ، فهو أقوى مطهر )v .

( وجهاز الذوق في الإنسان هو اللسان ، ويرجع عمله إلى مجموعات من الخلايا الذوقية القائمة في حلمات غشائه المخاطي . . . ) .

( ويتكون الجهاز العصبي- الذي يسيطر على الجسم سيطرة تامة- من شعيرات دقيقة ، تمر في جميع أنحاء الجسم ، وتتصل بغيرها أكبر منها ، وهذه بالجهاز المركزي العصبي ، فإذا ما تأثر أي جزء في الجسم ، نقلت الشعيرات العصبية هذا الإحساس إلى المخ ، حيث يمكنه أن يتصرف ) .

( ونحن إذا نظرنا إلى الهضم على أنه عملية في معمل كيماوي ، وإلى الطعام الذي نأكله على أنه مو غفل ، فإننا ندرك توّا أنه عملية عجيبة ، إذ نهضم تقريبا كل شيء يؤكل ما عدا المعدة نفسها )vi .

وكل جهاز من أجهزة الإنسان الأخرى يقال فيه الشيء الكثير ، فالإدراك العقلي ، واختزان المعلومات ، والإدراك الروحي لجلال الله ، كلها تدل على سعة عطاء الله وحكمته ، وكرمه وفضله على الإنسان .

9-12- كلاّ . ارتدعوا عن الاغترار بكرم ربكم لكم ، بل تكذبون بالحساب والمؤاخذة والجزاء ، وهذه هي علة الغرور وعلة التقصير ، وإنه لموكل بكم ملائكة يحفظونكم ويسجلون أقوالكم وأعمالكم ، ويحصونها عليكم ، وهؤلاء الملائكة كرام ، فلا تؤذوهم بما ينفرهم من المعاصي ، وإن الإنسان ليحتشم ويستحيي وهو بمحضر الكرام ، من أن يسف أو يتبذل في لفظ أو كلمة أو حركة أو تصرف ، فكيف به حين يشعر أنه في كل لحظاته في حضرة حفظة من الملائكة كرام ، لا يليق أن يطلعوا منه إلا على كل كريم من الخصال أو الفعال ؟

وهؤلاء الملائكة يكتبون كل شيء ، ولا تخفى عليهم خافية من أعمالهم ، فإنهم يعلمون ما تفعلون سرا أو علنا ، والملائكة قوى من قوى الخير ، منهم الحفظة والكتبة ، ومنهم من ينزل بالوحي على الرسل ، وقد أمدّهم الله بقوة خاصة يستطيعون بها إنجاز ما يوكل إليهم من مهام .

وليس علينا أن نبحث عن كنه هؤلاء الحفظة ، ولا عن كيفية كتابتهم لأعمالنا ، ويكفي أن يشعر القلب البشري أنه غير متروك سدى ، وأن عليه حفظة كراما كاتبين . يعلمون ما يفعله ، ليرتعش ويستيقظ ويتأدب ، وهذا هو المقصود .

13- إن الأبرار صدقوا في إيمانهم بأداء ما فرض عليهم ، واجتناب ما نهوا عنه ، وسيكونون ممتعين في نعيم الجنة .

وليس البر مقصورا على الصلاة والصيام ، ولكن البر عقيدة صادقة ، وسلوك مستقيم ، ويتمثل ذلك في القيام بالواجب ، ومعاونة المحتاج ، والاهتمام بأمر المسلمين ، والحرص على نفع العباد ، وكفّ الأذى وصلة الرحم ، وزيارة المريض ، مواساة البائس ، وتعزية المحزون ، والتخلق بآداب الدين .

قال تعالى : لن تنالوا البرّ حتى تنفقوا مما تحبّون وما تنفقوا من شيء فإن الله به عليم . ( آل عمران : 92 ) .

14-16- إن الفجرة العصاة لفي نيران متأججة ، يدخلونها يوم القيامة ، بعد أن يحاسبوا على كل صغيرة وكبيرة ، وما هم عن جهنم بغائبين قط لخلودهم فيها .

17-19- ولما كان يوم الدين هو موضوع التكذيب ، فإن السياق يعود لتعظيمه وتضخيمه فيقول : وما أدراك ما يوم الدّين . فهو فوق كل تصور ، وفوق كل توقع ، وفوق كل مألوف ، وتكرار السؤال يزيد في وصف الهول : ثم ما أدراك ما يوم الدّين . أي : ثم عجيب منك أن تتهاون بنبأ هذا اليوم وهوله الشديد ، وهو يوم لا تستطيع فيه نفس أن تنفع نفسا أخرى ، فكل نفس مشغولة بهمها وحملها عن كل من تعرف من النفوس ، والأمر كله في ذلك اليوم لله وحده ، فهو القاضي المتصرف فيه دون غيره .

مقاصد السورة

1- وصف أهوال يوم القيامة .

2- تقصير الإنسان في مقابلة الإحسان بالشكران .

3- بيان أن أعمال الإنسان موكل بها كرام كاتبون .

4- بيان أن الناس في هذا اليوم : إما بررة منعمون ، وإما فجرة معذبون .

مشاهد القيامة ، ونعم الله على الإنسان

بسم الله الرحمان الرحيم

{ إذا السماء انفطرت 1 وإذا الكواكب انتثرت 2 وإذا البحار فجّرت 3 وإذا القبور بعثرت 4 علمت نفس ما قدّمت وأخّرت 5 يا أيها الإنسان ما غرّك بربك الكريم 6 الذي خلقك فسوّاك فعدلك 7 في أي صورة ما شاء ركّبك 8 }

المفردات :

إذا السماء انفطرت : تشققت وتصدّعت .

التفسير :

1- إذا السماء انفطرت .

تشققت وتصدعت وتهدّم بناؤها ، وذهب تماسكها ، وصارت هلاما غير متماسك ، كدرديّ الزيت .

قال تعالى : فإذا انشقّت السماء فكانت وردة كالدهان . ( الرحمان : 37 ) .

وقال عز شأنه : ويوم تشقّق السماء بالغمام ونزّل الملائكة تنزيلا* الملك يومئذ الحق للرحمان وكان يوما على الكافرين عسيرا . ( الفرقان : 25 ، 26 ) .

وهذا المعنى ورد في السورة السابقة –سورة التكوير- وفي سور أخرى ، وتفيد مشاهد القيامة في القرآن أنه عند نهاية عمر الدنيا ينفرط عقد الكون ، ويختل توازنه ، ويذهب تماسكه وتكامله .

وقد ذكر هنا أمران علويان ، هما : انفطار السماء ، وتناثر الكواكب ، وأمران في الأرض ، هما : انفجار البحار ، وتبعثر القبور .

والمقصود : العظة والاعتبار واستيلاء الهول على قلب الإنسان حتى يعمل الصالحات ، ويتجنّب الموبقات .

 
تيسير التفسير لإبراهيم القطان - إبراهيم القطان [إخفاء]  
{إِذَا ٱلسَّمَآءُ ٱنفَطَرَتۡ} (1)

مقدمة السورة:

سورة الانفطار مكية وآياتها تسع عشرة ، نزلت بعد سورة النازعات . وتبدأ السورة بذكر مشاهد من أهوال يوم القيامة ولكن بطريقة أخصر مما ورد في " التكوير " ، وبشخصية خاصة . فتبدأ بذكر أربعة أمور : انفطار السماء ، وتناثر الكواكب ، وتفجير البحار ، وبعثرة القبور .

بعد ذلك ينتقل الحديث بصورة عتاب وتحذير إلى ذلك الإنسان الذي ينكر فضل ربه الكريم مع أنه خلقه فسوّاه في أبدع صورة وأحسن تقويم . إن الإنسان لا يعرف للنعمة حقها ولا يشكر ربه على الفضل الذي آتاه إياه .

ثم تبين السورة تكذيب الإنسان بيوم الدين وجحوده ، وتؤكد وجود الملائكة الكرام البررة حافظين عليه ، يكتبون كل ما يفعله ويقوله . وبعد ذلك تقرر أن الناس يوم الحساب فريقان : فريق في الجنة ، وفريق في السعير . وتصور ذلك اليوم وهوله ، وتَجرّد النفوس من كل حول فيه ، مع تفرد الله سبحانه بأمره الجليل{ وما أدراك ما يوم الدين ، ثم ما أدراك ما يوم الدين- يوم لا تملك نفس لنفس شيئا والأمر يومئذ لله } .

السورة لطيفة في مبناها ، عذبة في ألفاظها ، تبشّر وتنذر ، والأمر كله يعود إلى الله تعالى .

انفطرت : انشقت .

تبدأ السورة بعرض مشاهد من أهوال يوم القيامة :

إذا السماءُ انشقّت .

 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{إِذَا ٱلسَّمَآءُ ٱنفَطَرَتۡ} (1)

مقدمة السورة:

سورة الانفطار{[1]}

مقصودها التحذير من{[2]} الانهماك في الأعمال السيئة اغترارا بإحسان الرب وكرمه ونسيانا ليوم الدين الذي يحاسب فيه على النقير والقطمير ، ولا تغني فيه نفس عن نفس شيئا ، واسمها الانفطار أدل ما فيها على ذلك { بسم الله } الذي له الجلال كما أن له{[3]} الجمال { الرحمن } الذي عم بالرحمة ليشكر فغر ذلك أهل الضلال { الرحيم* } الذي خص من أراد بالتوفيق لما يرضى من الخصال .

ولما ختمت{[72000]} التكوير بأنه سبحانه لا يخرج عن مشيئته وأنه موجد الخلق ومدبرهم ، وكان من الناس من يعتقد أن هذا العالم هكذا بهذا الوصف لا آخر له " أرحام تدفع وأرض تبلع ومن مات فات وصار إلى الرفات ولا عود بعد الفوات " افتتح{[72001]} الله سبحانه هذه بما يكون مقدمة لمقصود التي قبلها من أنه لا بد من نقضه لهذا العالم وإخرابه ليحاسب الناس فيجزي كلاًّ منهم من المحسن والمسيء بما عمل فقال : { إذا السماء } أي على شدة إحكامها واتساقها وانتظامها { انفطرت * } أي{[72002]} انشقت شقوقاً أفهم سياق التهويل أنه صار {[72003]}لبابها أطراف{[72004]} كثيرة فزال ما كان لها من الكرية الجامعة للهواء الذي الناس فيه كالسمك في الماء ، فكما أن الماء إذا انكشف عن الحيوانات البحرية هلكت{[72005]} ، كذلك يكون الهواء مع الحيوانات البرية ، فلا تكون حياة-{[72006]} إلا ببعث جديد ونقل عن هذه الأسباب ، ليكون الحساب بالثواب والعقاب .


[1]:- هكذا ثبتت العبارة في النسخة المخزونة بالرباط – المراقش التي جعلناها أصلا وأساسا للمتن، وكذا في نسخة مكتبة المدينة ورمزها "مد" وموضعها في نسخة دار الكتب المصرية ورمزها "م": رب زدني علما يا فتاح.
[2]:- في م ومد: قال أفقر الخلائق إلى عفو الخالق؛ وفي الأصل: أبو إسحاق – مكان: أبو الحسن، والتصحيح من الأعلام للزركلي ج1 ص 50 وعكس المخطوطة أمام ص 56 وهامش الأنساب للسمعاني ج2 ص280.
[3]:- ضبطه في الأعلام بضم الراء وتخفيف الباء.
[72000]:زيد في الأصل: سورة، ولم تكن الزيادة في ظ و م فحذفناها.
[72001]:من ظ و م، وفي الأصل: أفتح.
[72002]:زيد في الأصل: انقسفت و، ولم تكن الزيادة في ظ و م فحذفناها.
[72003]:من م، وفي الأصل و ظ: لأبوابها أطرافه.
[72004]:من م، وفي الأصل و ظ: لأبوابها أطرافة.
[72005]:من م، وفي الأصل و ظ: ملكت.
[72006]:زيد من ظ و م.