تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{إِذَا ٱلسَّمَآءُ ٱنفَطَرَتۡ} (1)

مقدمة السورة:

سورة الانفطار [ وهي مكية ]{[1]}

الآية 1 : قوله تعالى : { إذا السماء انفطرت } قد ذكرنا أن هذا جواب عن سؤال تقدم ، لم يبين السؤال عند ذكر الجواب ، لأنه{[23220]} إذا الجواب عن سؤال [ كان ]{[23221]} متى ؟ فجائز أن يكون سؤالهم ما ذكر في إتمام الجواب ، وهو قوله تعالى : { علمت نفس ما قدمت وأخرت } [ الآية : 5 ] فنزل قوله تعالى : { إذا السماء انفطرت } الآيات إلى آخرها .

ثم ذكر الانفطار ههنا ، وهو الشق ، وذكر الفتح في موضع آخر ، وهو قوله تعالى : { وفتحت السماء فكانت أبوابا } [ النبإ : 19 ] وقوله{[23222]} في موضع آخر : { وإذا السماء فرجت } [ المرسلات : 9 ] [ قوله ]{[23223]} : { إذا السماء انشقت } [ الانشقاق : 1 ] .

فمنهم من ذكر أن شقها وانفطارها أن تفتح أبوابها . ومنهم من حمله على السؤال الذي يعرف من شق الأشياء ، وهذا أقرب ، لأن الآية في موضع التخويف والتهويل ، وليس في فتح أبوابها . وإنما التخويف في انشقاقها بنفسها .

ثم السؤال عن ملاقاة الأعمال وعن علم الأنفس بها فسؤال عن الساعة .

وفي ذكر انفطار السماء وانتشار الكواكب وتفجير البحار وتسيير الجبال وجعل الأرض قاعا صفصفا وصف أحوال الساعة وآثارها ، وليس فيه إشارة إلى وقت كونها لأنه ليس في التوقف على حقيقة وقتها تخويف وتهويل ، وفي ذكر آثارها تخويف ؛ وهو أنه عظم هول ذلك اليوم ، واشتد ، حتى لا تقوم الأشياء القوية الغالبة في نفسها ، وهي الجبال والسماوات والأرضون ، بل يؤثر فيها هذا التأثير حتى تصير { الجبال كالعهن المنفوش } [ القارعة : 5 ] وتصير { كثيبا ومهيلا } [ المزمل : 14 ] وتنشق السماء ، وتصير { قاعا صفصفا } [ طه : 106 ] فكيف يقوم لها الإنسان الضعيف المهين ؟

وإذا كانت السماوات والأرضون والجبال مع طواعيتها لربها ، لا تقوم لها وأفزاعها ، بل تتقطع ، فكيف يقوم لها الآدمي الضعيف مع خبث عمله وكثرة مساويه مع ربه ؟

فيذكرهم هذه الأحوال ليخافوه ، ويهابوه ، فيستعدوا له .

فلهذا ، والله أعلم ، ذكرت الأحوال التي عليها حال ذلك اليوم ، ولم يبين متى وقته ، ولهذا ما لم يبين منتهى عمر الإنسان ليكون أبدا على خوف ووجل من حلول الموت به ، فيأخذ أهبته ، ويتشمر له .

ولو بين له كان يقع له الأمر بذلك ، فيترك التزود إلى دنو ذلك الوقت ، ثم يتأهب له إذا دنا انقضاء عمره .

ثم إن الله تعالى ذكر أحوال القيامة في مواضع ، وجعل ذلك مترادفا متتابعا في القرآن ، فيكون في ذلك معنيان :

أحدهما : أن للقلوب تغيرا وتقلبا في أوقات ؛ فربّ قلب لا يلين لحادثة أول مرة حتى يعاد عليه ذكرها{[23224]} مرة بعد مرة وحالا بعد حال ، ثم يلين ؛ فيكون في تتابع ذكر البعث والقيامة مرة [ بعد مرة ]{[23225]} إبلاغ في النذارة وقطع عذر المعذورين يوم القيامة .

والثاني : أن القوم كانوا حديثي العهد بالإسلام ، وقد وقع الإسلام في قلوبهم موقعا ، فيكون في تكرار المواعظ تلقيح لعقولهم وتليين لقلوبهم على ما أكرمهم الله تعالى من الإيمان ونضرة رسول رب العالمين كقوله تعالى : { وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا } [ الأنفال : 2 ] .


[1]:- في ط ع: سمح.
[23220]:في الأصل وم: لأن.
[23221]:ساقطة من الأصل وم..
[23222]:ي الأصل وم: وقال.
[23223]:في الأصل وم: و.
[23224]:في الأصل وم: ذكره.
[23225]:من م، ساقطة من الأصل.