12- ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهارا .
إن إيمانكم بالله والتوبة والاستغفار ، يكون مصدرا للرزق والمطر وتيسير الأموال والأولاد ، أي يكثر أموالكم وأبناءكم ويجعل لكم الحدائق الظليلة ، والبساتين الفسيحة ذات الأشجار المظلّة المثمرة ، ويجعل لكم الأنهار تجري خلالها .
لقد حرّك نوح فيهم الرغبة في الغنى والمال والأولاد ، والزروع والبساتين والأنهار ، وبيّن أن كفرهم بالله وعبادة الأوثان مصدر القحط والبلاء ، وأن الطاعة والإيمان مصدر الخيرات والبركات .
{ فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفارا } { يرسل السماء عليكم مدرارا ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهارا } وذلك أنهم لما كذبوه حبس الله عنهم المطر وأعقم نساءهم فهلكت أموالهم ومواشيهم فوعدهم نوح إن آمنوا أن يرد الله عليهم ذلك فقال { يرسل السماء عليكم مدرارا } كثيرة الدر أي كثيرة المطر { ويمددكم بأموال وبنين } يعطكم زينة الدنيا وهي المال والبنون
الثانية- قوله تعالى : " يرسل السماء عليكم مدرارا " أي يرسل ماء السماء ، ففيه إضمار . وقيل : السماء المطر ، أي يرسل المطر . قال الشاعر{[15382]} :
إذا سقط السماء بأرض قوم *** رعيناه وإن كانوا غِضَابَا
و " مدرارا " ذا غيث كثير . وجزم " يرسل " جوابا للأمر . وقال مقاتل : لما كذبوا نوحا زمانا طويلا حبس الله عنهم المطر ، وأعقم أرحام نسائهم أربعين سنة ، فهلكت مواشيهم وزروعهم ، فصاروا إلى نوح عليه السلام واستغاثوا به . فقال " استغفروا ربكم إنه كان غفارا " أي لم يزل كذلك لمن أناب إليه . ثم قال ترغيبا في الإيمان : " يرسل السماء عليكم مدرارا . ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لهم جنات ويجعل لكم أنهارا " . قال قتادة : علم نبي الله صلي الله عليه وسلم أنهم أهل حرص على الدنيا فقال : ( هلموا إلى طاعة الله فإن في طاعة الله درك الدنيا والآخرة ) .
الثالثة- في هذه الآية والتي في " هود{[15383]} " دليل على أن الاستغفار يستنزل به الرزق والأمطار . قال الشعبي : خرج عمر يستسقي فلم يزد على الاستغفار حتى رجع ، فأمطروا فقالوا : ما رأيناك استسقيت ؟ فقال : لقد طلبت المطر بمجاديح{[15384]} السماء التي يستنزل بها المطر ، ثم قرأ : " استغفروا ربكم إنه كان غفارا . يرسل السماء عليكم مدرارا " . وقال الأوزاعي : خرج الناس يستسقون ، فقام فيهم بلال بن سعد فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال : اللهم إنا سمعناك تقول : " ما على المحسنين من سبيل " التوبة : 91 ] وقد أقررنا بالإساءة ، فهل تكون مغفرتك إلا لمثلنا ؟ ! اللهم اغفر لنا وارحمنا واسقنا ! فرفع يديه ورفعوا أيديهم فسقوا . وقال ابن صبيح : شكا رجل إلى الحسن الجدوبة فقال له : استغفر الله . وشكا آخر إليه الفقر فقال له : استغفر الله . وقال له آخر . ادع الله أن يرزقني ولدا ، فقال له : استغفر الله . وشكا إليه آخر جفاف بستانه ، فقال له : استغفر الله . فقلنا له في ذلك ؟ فقال : ما قلت من عندي شيئا ، إن الله تعالى يقول في سورة " نوح " : " استغفروا ربكم إنه كان غفارا . يرسل السماء عليكم مدرارا . ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهارا " . وقد مضى في سورة " آل عمران{[15385]} " كيفية الاستغفار ، وإن ذلك يكون عن إخلاص وإقلاع من الذنوب . وهو الأصل في الإجابة .
{ ويمددكم } أظهر{[68707]} لأن الموضع لإرادة المبالغة والبسط والسعة { بأموال وبنين } وذلك يفهم أن من اكثر الاستغفار حباه الله ما يسره ، وحماه ما يضره { ويجعل لكم } أي في الدارين { جنات } أي بساتين عظيمة ، وأعاد العامل للتأكيد والبسط لأن المقام له فقال : { ويجعل لكم أنهاراً * } يخصكم بذلك عمن لم يفعل ذلك ، فإن من لزم الاستغفار جعل الله له من كل هم فرجاً ، ومن كل ضيق مخرجاً ، روى{[68708]} أن عمر رضي الله عنه استسقى فلم يزد على الاستغفار فلما نزل قيل : يا أمير المؤمنين ! ما رأيناك{[68709]} استسقيت ؟ فقال : لقد طلبت الغيث بمجاديح السماء التي بها يستنزل القطر ، ثم قرأ هذه الآية ، وقال القشيري : من وقعت له إلى الله حاجة فلن يصل إلى مراده إلا بتقديم الاستغفار ، وقال : إن عمل قوم نوح كان بضد ذلك ، كلما ازداد نوح في الضمان ووجوه الخير والإحسان ازدادوا في الكفر والنسيان .