السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{وَيُمۡدِدۡكُم بِأَمۡوَٰلٖ وَبَنِينَ وَيَجۡعَل لَّكُمۡ جَنَّـٰتٖ وَيَجۡعَل لَّكُمۡ أَنۡهَٰرٗا} (12)

{ ويمددكم بأموال وبنين } أي : ويكثر أموالكم وأولادكم ، وذلك أن قوم نوح عليه السلام لما كذبوه زماناً طويلاً حبس الله تعالى عنهم المطر وعقم أرحام نسائهم أربعين سنة فهلكت أموالهم ومواشيهم ، فقال لهم نوح : استغفروا ربكم من الشرك ، أي : استدعوه المغفرة بالتوحيد { يرسل السماء عليكم مدراراً } . روى الشعبي : أن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما خرج يستسقي بالناس فلم يزد على الاستغفار ، فلما نزل قيل : يا أمير المؤمنين ما رأيناك استسقيت ؟ فقال : لقد طلبت الغيث بمخاريج السماء التي بها يستنزل القطر ، ثم قرأ هذه الآية ، شبه الاستغفار بالأنواء الصادقة التي لا تخطئ . وعن الحسن أن رجلاً شكا إليه الجدب ، فقال : استغفر الله ، وشكا إليه آخر الفقر ، وآخر قلة النسل ، وآخر قلة ريع أرضه ، فأمرهم كلهم بالاستغفار ، فقال له الربيع بن صبيح : أتاك رجال يشكون أبواباً ويسألون أنواعاً ، فأمرتهم كلهم بالاستغفار ، فتلا الآية . وقال القشيري : من وقعت له حاجة إلى الله تعالى فلن يصل إلى مراده إلا بتقديم الاستغفار . وقال : إن عمل قوم نوح كان بضد ذلك ، كلما ازداد نوح عليه السلام في الضمان ووجوه الخير والإحسان ازدادوا في الكفر والنسيان .

{ ويجعل لكم } أي : في الدارين { جنات } أي : بساتين عظيمة وأعاد العامل للتأكيد ، فقال { ويجعل لكم أنهاراً } أي : يخصكم بذلك عمن لم يفعل ذلك ، فإن من لزم الاستغفار جعل الله له من كل هم فرجاً ومن كل ضيق مخرجاً . وقال تعالى : { ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض } [ الأعراف : 96 ] وقال تعالى : { ولو أنهم أقاموا التوراة والإنجيل وما أنزل إليهم من ربهم لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم } [ المائدة : 66 ] وقال تعالى : { وألو استقاموا على الطريقة لأسقيناهم ماءً غدقاً } [ الجن : 16 ] .