ومن يسره الله لليسرى فقد وصل . . وصل في يسر وفي رفق وفي هوادة . . وصل وهو بعد في هذه الأرض . وعاش في يسر . يفيض اليسر من نفسه على كل ما حوله وعلى كل من حوله . اليسر في خطوه . واليسر في طريقه . واليسر في تناوله للأمور كلها . والتوفيق الهادئ المطمئن في كلياتها وجزئياتها . وهي درجة تتضمن كل شيء في طياتها . حيث تسلك صاحبها مع رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] في وعد ربه له : ونيسرك لليسرى . .
فسنوفقه للأمور الميسّرة ، ونهيّئه لعمل الخير ، وفعل الطاعات وترك المحرمات .
والخلاصة : أن من التزم بأوامر الله وطاعته ، فإن الله ييسر له الخير والفلاح ، ويمنحه الرضا والتوفيق ، فتراه يسير في طريق العمل الصالح ، بعيدا عن المعاصي ، ميسرا لطريق الجنة .
قال تعالى : رضي الله عنهم ورضوا عنه ذلك لمن خشي ربه . ( البينة : 8 ) .
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
قوله : "فَسَنُيَسّرُهُ لِلْيُسْرَى" يقول : فسنهيئه للخَلّة اليُسْرَى ، وهي العمل بما يرضاه الله منه في الدنيا ، ليوجب له به في الآخرة الجنة . ...
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
للأعمال والشرائع أو لشرح صدره للتوحيد والإسلام ، ونيسره عليه...
النكت و العيون للماوردي 450 هـ :
أحدهما : للخير ، قاله ابن عباس .
الثاني : للجنة ، قاله زيد بن أسلم .
ويحتمل ثالثاً : فسنيسر له أسباب الخير والصلاح حتى يسهل عليه فعلها . ...
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :
ومعناه : سيظهر تيسيرنا إياه يتدرج فيه من أعمال الخير وختم بتيسير قد كان في علم الله أولاً ، و «اليسرى » الحال الحسنة المرضية في الدنيا والآخرة . ...
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
{ فسنيسره } أي نهيئه بما لنا من العظمة بوعد لا خلف فيه { لليسرى } أي الخصلة التي هي في غاية اليسر والراحة من الرحمة المقتضية للعمل بما يرضيه سبحانه وتعالى ليصل إلى ما يرضى به من الحياة الطيبة ودخول الجنة . ...
تفسير القرآن للمراغي 1371 هـ :
أي فسنهيئه لأيسر الخطتين وأسهلهما في أصل الفطرة ، وهو تكميل النفس إلى أن تبلغ المقام الذي تجد فيه سعادتها ...
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
ومن يسره الله لليسرى فقد وصل . . وصل في يسر وفي رفق وفي هوادة . . وصل وهو بعد في هذه الأرض . وعاش في يسر . يفيض اليسر من نفسه على كل ما حوله وعلى كل من حوله . اليسر في خطوه . واليسر في طريقه . واليسر في تناوله للأمور كلها . والتوفيق الهادئ المطمئن في كلياتها وجزئياتها . وهي درجة تتضمن كل شيء في طياتها . حيث تسلك صاحبها مع رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] في وعد ربه له : ونيسرك لليسرى .
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
واليسرى في قوله : { لليسرى } هي ما لا مشقة فيه ، وتأنيثها : إما بتأويل الحالة ، أي الحالة التي لا تشق عليه في الآخرة ، وهي حالة النعيم ، أو على تأويلها بالمكانة . وقد فسرت اليسرى بالجنة عن زيد بن أسلم ومجاهد . ويحتمل اللفظ معاني كثيرة تندرج في معاني النافع الذي لا يشق على صاحبه ، أي الملائم .
تفسير القرآن الكريم لابن عثيمين 1421 هـ :
السين هنا للتحقيق أي : أن من أعطى واتقى ، وصدق بالحسنى ، فسييسره الله عز وجل لليسرى في أموره كلها ، في أمور دينه ودنياه ، ولهذا تجد أيسر الناس عملاً هو من اتقى الله عز وجل ، من أعطى واتقى وصدق بالحسنى . وكلما كان الإنسان أتقى لله كانت أموره أيسر له . ...
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :
من المؤكّد أنّ الذين سلكوا طريق الإنفاق والتقوى ، واطمئنوا إلى جزاء اللّه وثوابه في الآخرة ، تتذلل أمامهم المشاكل وينعمون في الدنيا والآخرة بالسكينة والاطمئنان . أضف إلى ما سبق ، قد يكون الإنفاق المالي شاقاً وثقيلاً على طبع الإنسان في البداية ، ولكن بتوطين النفس على ذلك والاستمرار فيه ، يتحول إلى أمر ميسور . . . بل أمر فيه لذّة وارتياح . [...] ولا يفوتنا أن نذكر أيضاً أنّ الإيمان بالمعاد وبثواب الآخرة يهون المشاكل والصعاب ، ويجعل بذل المال بل النفس ميسوراً ، ويخلق الدافع نحو طلب الشهادة في ميادين الجهاد عن رغبة مقرونة بإحساس باللذة والنشوة . ...
الثانية- قوله تعالى : " فسنيسره لليسرى " أي نرشده لأسباب الخير والصلاح ، حتى يسهل عليه فعلها . وقال زيد بن أسلم : " لليسرى " للجنة . وفي الصحيحين والترمذي عن علي رضي اللّه عنه قال : كنا في جنازة بالبقيع ، فأتى النبي صلى اللّه عليه وسلم ، فجلس وجلسنا معه ، ومعه عود ينكت به في الأرض ، فرفع رأسه إلى السماء فقال : [ ما من نفس منفوسة إلا قد كتب مدخلها ] فقال القوم : يا رسول اللّه ، أفلا نتكل على كتابنا ؟ فمن كان من أهل السعادة فانه يعمل للسعادة ، ومن كان من أهل الشقاء فإنه يعمل للشقاء . قال : [ بل اعملوا فكل ميسر ، أما من كان من أهل السعادة فإنه ييسر لعمل السعادة ، وأما من كان من أهل الشقاء فإنه ييسر لعمل الشقاء - ثم قرأ - " فأما من أعطى واتقى وصدق بالحسنى ، فسنيسره لليسرى ، وأما من بخل واستغنى ، وكذب بالحسنى ، فسنيسره للعسرى " ] لفظ الترمذي . وقال فيه : حديث حسن صحيح . وسأل غلامان شابان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فقالا : العمل فيما جفت به الأقلام وجرت به المقادير ؟ أم في شيء يستأنف ؟ فقال عليه السلام : [ بل فيما جفت به الأقلام ، وجرت به المقادير ] قالا : ففيم العمل ؟ قال : [ اعملوا ، فكل ميسر لعمل الذي خلق له ] قالا : فالآن نجد ونعمل .
وعدل الكلام إلى مظهر العظمة إشارة إلى صعوبة الطاعة على النفس وإن كانت في غاية اليسر في نفسها لأنها في غاية الثقل على النفس فقال : { فسنيسره } أي نهيئه بما لنا من العظمة بوعد لا خلف فيه { لليسرى * } أي الخصلة التي هي في غاية اليسر والراحة من الرحمة المقتضية للعمل بما يرضيه سبحانه وتعالى ليصل إلى ما يرضى به من الحياة الطيبة ودخول الجنة .