مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{فَسَنُيَسِّرُهُۥ لِلۡيُسۡرَىٰ} (7)

وأما قوله : { فسنيسره لليسرى } ففيه مسائل :

المسألة الأولى : في تفسير هذه اللفظة وجوه ( أحدها ) : أنها الجنة ( وثانيها ) : أنها الخير وقالوا في العسرى : أنها الشرك ( وثالثها ) : المراد منه أن يسهل عليه كل ما كلف به من الأفعال والتروك ، والمراد من العسرى تعسير كل ذلك عليه ( ورابعها ) : اليسرى هي العود إلى الطاعة التي أتى بها أولا ، فكأنه قال فسنيسره لأن يعود إلى الإعطاء في سبيل الله ، وقالوا : في العسرى ضد ذلك أي نيسره لأن يعود إلى البخل والامتناع من أداء الحقوق المالية ، قال القفال : ولكل هذه الوجوه مجاز من اللغة ، وذلك لأن الأعمال بالعواقب ، فكل ما أدت عاقبته إلى يسر وراحة وأمور محمودة ، فإن ذلك من اليسرى ، وذلك وصف كل الطاعات ، وكل ما أدت عاقبته إلى عسر وتعب فهو من العسرى ، وذلك وصف كل المعاصي .

المسألة الثانية : التأنيث في لفظ اليسرى ، ولفظ العسرى فيه وجوه ( أحدها ) : أن المراد من اليسرى والعسرى إن كان جماعة الأعمال ، فوجه التأنيث ظاهر ، وإن كان المراد عملا واحدا رجع التأنيث إلى الخلة أو الفعلة ، وعلى هذا من جعل يسرى هو تيسير العود[ ة ] إلى ما فعله الإنسان من الطاعة رجع التأنيث إلى العود[ ة ] ، وكأنه قال : فسنيسره للعود[ ة ] التي هي كذا ( وثانيها ) : أن يكون مرجع التأنيث إلى الطريقة فكأنه قال : للطريقة اليسرى والعسرى ( وثالثها ) : أن العبادات أمور شاقة على البدن ، فإذا علم المكلف أنها تفضي إلى الجنة سهلت تلك الأفعال الشاقة عليه ، بسبب توقعه للجنة ، فسمى الله تعالى الجنة يسرى ، ثم علل حصول اليسرى في أداء الطاعات بهذه اليسرى وقوله : { فسنيسره لليسرى } بالضد من ذلك .

المسألة الثالثة : في معنى التيسير لليسرى والعسرى وجوه : وذلك لأن من فسر اليسرى بالجنة فسر التيسير لليسرى بإدخال الله تعالى إياهم في الجنة بسهولة وإكرام ، على ما أخبر الله تعالى عنه بقوله : { والملائكة يدخلون عليهم من كل باب سلام عليكم } وقوله : { طبتم فادخلوها خالدين } وقوله : { سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار } وأما من فسر اليسرى بأعمال الخير فالتيسير لها هو تسهيلها على من أراد حتى لا يعتريه من التثاقل ما يعتري المرائين والمنافقين من الكسل ، قال الله تعالى : { وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين } وقال : { وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى } وقال : { ما لكم إذا قيل لكم انفروا في سبيل الله اثاقلتم إلى الأرض } فكان التيسير هو التنشيط .

المسألة الرابعة : استدل الأصحاب بهذه الآية على صحة قولهم في التوفيق والخذلان ، فقالوا : إن قوله تعالى : { فسنيسره لليسرى } يدل على أنه تعالى خص المؤمن بهذا التوفيق ، وهو أنه جعل الطاعة بالنسبة إليه أرجح من المعصية