التفسير الأول : أعطاك الله الرضا والمحبة ، وسيتوالى فضل الله عليك في الدنيا ، فتزداد كل يوم عزا ونصرا ، حتى تفتح مكة ويدخل الناس في دين الله أفواجا ، وقد صدق الله وعده ، فنصر رسوله في غزوة بدر ، واستمر نصر الله له حتى خضعت أمّ القرى ، وعمّ الإسلام بلاد العرب ، وانتقل الإسلام في حياة الخلفاء إلى بلاد الفرس والروم ومصر وشمال أفريقيا ، وغير ذلك .
وخلاصة معنى الآية : الفترة الآخرة من حياتك ستكون خيرا لك من الفترة الأولى .
التفسير الثاني : ستكون منزلتك في الحياة الآخرة خيرا وأفضل من الحياة الأولى ، حيث يعطيك الله الشفاعة والمنزلة السامية ، ويكرمك في أمّتك .
والخلاصة : منزلتك يوم القيامة وعطاء الله لك في الآخرة خير لك من الحياة الدنيا .
وأما حاله المستقبلة ، فقال : { وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولَى } أي : كل حالة متأخرة من أحوالك ، فإن لها الفضل على الحالة السابقة .
فلم يزل صلى الله عليه وسلم يصعد في درج المعالي{[1448]} ويمكن له الله دينه ، وينصره على أعدائه ، ويسدد له أحواله ، حتى مات ، وقد وصل إلى حال لا يصل{[1449]} إليها الأولون والآخرون ، من الفضائل والنعم ، وقرة العين ، وسرور القلب .
ثم بعد ذلك ، لا تسأل عن حاله في الآخرة ، من تفاصيل الإكرام ، وأنواع الإنعام .
روى سلمة عن ابن إسحاق قال : " وللآخرة خير لك من الأولى " أي ما عندي في مرجعك إلي يا محمد ، خير لك مما عجلت لك من الكرامة في الدنيا . وقال ابن عباس : أري النبي صلى اللّه عليه وسلم ما يفتح اللّه على أمته بعده ؛ فسر بذلك ؛ فنزل جبريل بقوله : " وللآخرة خير لك من الأولى ولسوف يعطيك ربك فترضى " . قال ابن إسحاق : الفلج في الدنيا ، والثواب في الآخرة . وقيل : الحوض والشفاعة . وعن ابن عباس : ألف قصر من لؤلؤ أبيض ترابه المسك . رفعه الأوزاعي ، قال : حدثني إسماعيل بن عبيدالله ، عن علي بن عبدالله بن عباس ، عن أبيه قال : أري النبي صلى اللّه عليه وسلم ما هو مفتوح على أمته ، فسر بذلك ؛ فأنزل اللّه عز وجل " والضحى - إلى قوله تعالى - ولسوف يعطيك ربك فترضى " ، فأعطاه اللّه جل ثناؤه ألف قصر في الجنة ، ترابها المسك ؛ في كل قصر ما ينبغي له من الأزواج والخدم . وعنه قال : رضي محمد ألا يدخل أحد من أهل بيته النار . وقال السدي . وقيل : هي الشفاعة في جميع المؤمنين . وعن علي رضي اللّه عنه قال : قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : ( يشفعني اللّه في أمتي حتى يقول اللّه سبحانه لي : رضيت يا محمد ؟ فأقول يا رب رضيت ) . وفي صحيح مسلم عن ، عبدالله بن عمرو بن العاص أن النبي صلى اللّه عليه وسلم تلا قول اللّه تعالى في إبراهيم : " فمن تبعني فإنه مني ومن عصاني فإنك غفور رحيم{[16143]} " [ إبراهيم : 36 ] وقول عيسى : " إن تعذبهم فإنهم عبادك{[16144]} " [ المائدة : 118 ] ، فرفع يديه وقال : ( اللهم أمتي أمتي ) وبكى . فقال اللّه تعالى لجبريل : ( اذهب إلى محمد ، وربك أعلم ، فسله ما يبكيك ) فأتى جبريل النبي صلى اللّه عليه وسلم ، فسأل فأخبره . فقال اللّه تعالى لجبريل : [ اذهب إلى محمد ، فقل له : إن اللّه يقول لك : إنا سنرضيك في أمتك ولا نسوءك{[16145]} ] . وقال علي رضي اللّه عنه لأهل العراق : إنكم تقولون إن أرجى آية في كتاب اللّه تعالى : " قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله{[16146]} " [ الزمر : 53 ] قالوا : إنا نقول ذلك . قال : ولكنا أهل البيت نقول : إن أرجى آية في كتاب اللّه قوله تعالى : " ولسوف يعطيك ربك فترضى " . وفي الحديث : لما نزلت هذه الآية قال النبي صلى اللّه عليه وسلم : [ إذاً واللّه لا أرضى وواحد من أمتي في النار ] .
قوله : { وللآخرة خير لك من الأولى } يعني ما أعد الله لك يا محمد من المقام المحمود والخير الممدود والجزاء الموعود ، خير لك مما حوته هذه الدنيا من زينة ومتاع فإن ذلك كله زائل ، والدار الآخرة لهي دار القرار ونعيمها دائم لا ينقطع . ومن أجل ذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم أزهد الناس في الدنيا وأعظمهم لها مجافاة ولما خيّر النبي عليه الصلاة والسلام بين الخلود في الدنيا فلا يموت فيها . وبين صيرورته إلى الله عز وجل ، اختار ما عند الله على هذه الدنيا . وروى الإمام أحمد عن عبد الله بن مسعود قال : اضطجع رسول الله صلى الله عليه وسلم على حصير فأثّر في جنبه فلما استيقظ جعلت أمسح جنبه . وقلت يا رسول الله : ألا آذنتنا حتى نبسط لك على الحصير شيئا ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما لي وللدنيا . إنما مثلي ومثل الدنيا كراكب ظل تحت شجرة ثم راح وتركها " .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.