قوله : { وَلَلآخِرَةُ } الظاهر في هذه اللام أنها جواب القسم ، وكذلك وفي «ولسَوْفَ » أقسم الله تعالى على أربعة أشياءٍ : اثنان منفيان ، وهما توديعه وقلاه ، واثنان مثبتان مؤكدان ، وهما كون الآخرة خيراً له من الأولى{[60398]} ، وأنه سوف يعطيه ما يرضيه . وقال الزمخشري{[60399]} : » فإن قلت : ما هذه اللام الداخلة على «سَوْفَ » ؟ .
قلت : هي لام الابتداء المؤكدة لمضمون الجملة ، والمبتدأ محذوف ، تقديره : وأنت سوف - كما ذكرنا في «لأقسمُ » أن المعنى : لأنا أقسم - وذلك أنها لا تخلو من أن تكون لام قسم ، أو ابتداء ، فلام القسم لا تدخل مع المضارع إلا مع نون التوكيد ، فبقي أن تكون لام ابتداء ، ولام الابتداء لا تدخل إلاَّ على الجملة من المبتدأ ، والخبر ، فلا بد من تقدير مبتدأ ، وخبره ، وأن يكون أصله : ولأنت سوف يعطيك » .
ونقل أبو حيَّان عنه ، أنه قال : «وخلع من اللام دلالتها على الحال » انتهى .
وهذا الذي رده على الزمخشري ، يختار منه : أنها لام القسم ، وقوله : «لا يدخل مع المضارع إلا مع نون التوكيد » ، استثنى النحاة منه صورتين :
إحداهما : أن لا يفصل بينها وبين الفعل حرف التنفيس كهذه الآية ، وكقولك : «والله لسأعطيك » .
والثاني : ألاَّ يفصل بينهما بمعمول الفعل ، كقوله : { لإِلَى الله تُحْشَرُونَ } [ آل عمران : 158 ] .
ويدل لما قلت ما قال الفارسي : ليست هذه اللام هي التي في قولك : «إن زيداً لقائم » ، بل هي التي في قولك : «لأقُومنَّ » ونابت «سَوْفَ » عن إحدى نوني التأكيد ، فكأنه قال : ولنعطينك .
وقوله : «خلع منها دلالتها على الحال » يعني أن لام الابتداء الداخلة على المضارع مخلصة للحال وهنا لا يمكن ذلك ؛ لأجل حرف التنفيس ، فلذلك خلعت الحالية منها .
وقال أبو حيَّان{[60400]} : واللام في «وللآخِرةُ » لام ابتداء أكدت مضمون الجملة ، ثم حكى بعض ما تقدم عن الزمخشري وأبي علي ، ثم قال : «ويجوز عندي أن تكون اللام في «وللآخِرَةُ خَيْرٌ » وفي «ولسَوْفَ يُعْطِيكَ » اللام التي يُتَلَقَّى بها القسم ، عطفهما على جواب القسم ، وهي قوله تعالى : { مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ } ، فيكون هذا قسماً على هذه الثلاثة » انتهى .
فظاهره أن هذه اللام في «وللآخِرةُ » لام ابتداء غير متلقى بها القسم بدليل قوله ثانياً : «ويجوز عندي » ، ولا يظهر انقطاع هذه الجملة عن جواب القسم ألبتة ، وكذلك في «وَلَسَوْفَ » ، وتقدير الزمخشريِّ : مبتدأ بعدها لا ينافي كونها جواباً للقسمِ ، إنَّما منع أن يكون جواباً لكونها داخلة على المضارع لفظاً ، وتقديراً .
وقال ابن الخطيب{[60401]} : فإن قيل : ما معنى الجمع بين حرفي التأكيد والتأخير ؟ .
قلت : معناه أن العطاء كائن لا محالة وإن تأخر لما في التأخير من المصلحة .
قال ابن إسحاق : معنى قوله : { وَلَلآخِرَةُ خَيْرٌ لَّكَ مِنَ الأولى } ، أي : ما عندي من مرجعك إليَّ يا محمد خير لك مما عجلت لك من الكرامة في الدنيا .
روى علقمة عن عبد الله رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
«إنَّا أهْل بيتٍ اخْتَارَ اللهُ لنَا الآخِرَةِ على الدُّنْيَا »{[60402]} .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.