اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{وَلَلۡأٓخِرَةُ خَيۡرٞ لَّكَ مِنَ ٱلۡأُولَىٰ} (4)

قوله : { وَلَلآخِرَةُ } الظاهر في هذه اللام أنها جواب القسم ، وكذلك وفي «ولسَوْفَ » أقسم الله تعالى على أربعة أشياءٍ : اثنان منفيان ، وهما توديعه وقلاه ، واثنان مثبتان مؤكدان ، وهما كون الآخرة خيراً له من الأولى{[60398]} ، وأنه سوف يعطيه ما يرضيه . وقال الزمخشري{[60399]} : » فإن قلت : ما هذه اللام الداخلة على «سَوْفَ » ؟ .

قلت : هي لام الابتداء المؤكدة لمضمون الجملة ، والمبتدأ محذوف ، تقديره : وأنت سوف - كما ذكرنا في «لأقسمُ » أن المعنى : لأنا أقسم - وذلك أنها لا تخلو من أن تكون لام قسم ، أو ابتداء ، فلام القسم لا تدخل مع المضارع إلا مع نون التوكيد ، فبقي أن تكون لام ابتداء ، ولام الابتداء لا تدخل إلاَّ على الجملة من المبتدأ ، والخبر ، فلا بد من تقدير مبتدأ ، وخبره ، وأن يكون أصله : ولأنت سوف يعطيك » .

ونقل أبو حيَّان عنه ، أنه قال : «وخلع من اللام دلالتها على الحال » انتهى .

وهذا الذي رده على الزمخشري ، يختار منه : أنها لام القسم ، وقوله : «لا يدخل مع المضارع إلا مع نون التوكيد » ، استثنى النحاة منه صورتين :

إحداهما : أن لا يفصل بينها وبين الفعل حرف التنفيس كهذه الآية ، وكقولك : «والله لسأعطيك » .

والثاني : ألاَّ يفصل بينهما بمعمول الفعل ، كقوله : { لإِلَى الله تُحْشَرُونَ } [ آل عمران : 158 ] .

ويدل لما قلت ما قال الفارسي : ليست هذه اللام هي التي في قولك : «إن زيداً لقائم » ، بل هي التي في قولك : «لأقُومنَّ » ونابت «سَوْفَ » عن إحدى نوني التأكيد ، فكأنه قال : ولنعطينك .

وقوله : «خلع منها دلالتها على الحال » يعني أن لام الابتداء الداخلة على المضارع مخلصة للحال وهنا لا يمكن ذلك ؛ لأجل حرف التنفيس ، فلذلك خلعت الحالية منها .

وقال أبو حيَّان{[60400]} : واللام في «وللآخِرةُ » لام ابتداء أكدت مضمون الجملة ، ثم حكى بعض ما تقدم عن الزمخشري وأبي علي ، ثم قال : «ويجوز عندي أن تكون اللام في «وللآخِرَةُ خَيْرٌ » وفي «ولسَوْفَ يُعْطِيكَ » اللام التي يُتَلَقَّى بها القسم ، عطفهما على جواب القسم ، وهي قوله تعالى : { مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ } ، فيكون هذا قسماً على هذه الثلاثة » انتهى .

فظاهره أن هذه اللام في «وللآخِرةُ » لام ابتداء غير متلقى بها القسم بدليل قوله ثانياً : «ويجوز عندي » ، ولا يظهر انقطاع هذه الجملة عن جواب القسم ألبتة ، وكذلك في «وَلَسَوْفَ » ، وتقدير الزمخشريِّ : مبتدأ بعدها لا ينافي كونها جواباً للقسمِ ، إنَّما منع أن يكون جواباً لكونها داخلة على المضارع لفظاً ، وتقديراً .

وقال ابن الخطيب{[60401]} : فإن قيل : ما معنى الجمع بين حرفي التأكيد والتأخير ؟ .

قلت : معناه أن العطاء كائن لا محالة وإن تأخر لما في التأخير من المصلحة .

فصل

قال ابن إسحاق : معنى قوله : { وَلَلآخِرَةُ خَيْرٌ لَّكَ مِنَ الأولى } ، أي : ما عندي من مرجعك إليَّ يا محمد خير لك مما عجلت لك من الكرامة في الدنيا .

روى علقمة عن عبد الله رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :

«إنَّا أهْل بيتٍ اخْتَارَ اللهُ لنَا الآخِرَةِ على الدُّنْيَا »{[60402]} .


[60398]:في أ: الدنيا.
[60399]:الكشاف 4/467.
[60400]:البحر المحيط 8/481.
[60401]:ينظر: الفخر الرازي 31/194.
[60402]:ذكره السيوطي في "الدر المنثور" (6/611) وعزاه إلى ابن أبي شيبة عن ابن مسعود.