الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{وَلَلۡأٓخِرَةُ خَيۡرٞ لَّكَ مِنَ ٱلۡأُولَىٰ} (4)

قوله : { وَلَلآخِرَةُ } : الظاهرُ في هذه اللامِ أنَّها جوابُ القسم ، وكذلك في " ولَسَوْفَ " أَقْسم تعالى على أربعةِ أشياءَ : اثنان منفيَّان وهما توديعُه وقِلاه ، واثنان مُثْبَتان مؤكَّدان ، وهما كونُ الآخرةِ خيراً له من الدنيا ، وأنه سوف يُعْطيه ما يُرضيه . وقال الزمخشري : " فإنْ قلتَ : ما هذه اللامُ الداخلةُ على " سَوْف " ؟ قلت : هي لامُ الابتداءِ المؤكِّدةُ لمضمون الجملة ، والمبتدأُ محذوفٌ تقديرُه : ولأنت سَوْفَ يُعْطيك ، كما ذَكَرْنا في { لاَ أُقْسِمُ } [ القيامة : 1 ] أن المعنى : لأَنا أُقْسِمُ . وذلك أنها لا تَخْلو : مِنْ أَنْ تكونَ لامَ قسمٍ أو ابتداء . فلامُ القسم لا تدخلُ على المضارع إلاَّ مع نونِ التوكيد ، فبقي أن تكونَ لامَ ابتداءِ ، ولامُ الابتداء لا تدخل إلاَّ على الجملة من المبتدأ والخبرِ فلا بُدَّ من تقدير [ مبتدأ ] وخبره ، وأصله : ولأنت سوف يعطيك " ونقل الشيخ عنه أنه قال : " وخُلِع من اللامِ دلالتُها على الحال " انتهى . وهذا الذي رَدَّده الزمخشري يُختار منه أنها لامُ القسم .

قوله : " لا تَدْخُلُ على المضارع إلاَّ مع نونِ التوكيد " هذا استثنى النحاة منه صورتَيْنِ ، إحداهما : أَنْ لا يُفْصَلَ بينها وبين الفعل حرفُ تنفيسٍ كهذه الآيةِ ، كقولِك : واللَّهِ لَسَأُعْطيك . والثانية : أن لا يُفْصَلَ بينهما بمعمولِ الفعل كقولِه تعالى : { لإِلَى اللهِ تُحْشَرُونَ } [ آل عمران : 158 ] . ويَدُلُّ لِما قُلْتُه ما قال الفارسيُّ : " ليسَتْ هذه اللامُ هي التي في قولك : " إنَّ زيداً لَقائمٌ ، بل هي التي في قولِك : " لأَقومَنَّ " ونابَتْ " سوفَ " عن إحدى نونَيْ التوكيدِ ، فكأنه قال : ولَيُعْطِيَنَّك .

وقوله : " خُلِع منها دلالتُها على الحال " يعني أنَّ لامَ الابتداءِ الداخلةَ على المضارع تُخَلِّصُه للحال ، وهنا لا يُمْكِنُ ذلك لأجلِ حَرْفِ التنفيسِ ، فلذلك خُلِعَتِ الحاليةُ منها .

وقال الشيخ : " واللامُ في " ولَلآخرةُ " لامُ ابتداء وَكَّدَتْ مضمونَ الجملةِ " ثم حكى بعضَ ما ذكَرْتُه عن الزمخشري وأبي علي ثم قال : " ويجوز عندي أَنْ تكونَ اللامُ في " وللآخرةُ خيرٌ " وفي " ولَسَوْفَ يُعْطيك " اللامَ التي يُتَلَقَّى بها القسمُ ، عَطَفَها على جوابِ القسم ، وهو قولُه : { مَا وَدَّعَكَ } فيكون قد أقسم على هذه الثلاثة " انتهى . فظاهرُه أنَّ اللامَ في " ولَلآخرةُ " لامُ ابتداء غيرُ مُتَلَقَّى بها القسمُ ، بدليلِ قولِه ثانياً : " ويجوز عندي " ولا يظهرُ انقطاعُ هذه الجملةِ عن جواب القسم البتةَ ، وكذلك في { ولَسَوْفَ } وتقديرُ الزمخشري مبتدأً بعدها لا يُنافي كونَها جواباً للقسم ، وإنما مَنَعَ أن تكونَ جواباً داخلةً على المضارع لفظاً وتقديراً .