وبلغ منهم الفجور والاستهتار أن يراودوه هو نفسه عن ضيفه - من الملائكة - وقد حسبوهم غلمانا صباحا فهاج سعارهم الشاذ الملوث القذر ! وساوروا لوطا يريدون الاعتداء المنكر على ضيوفه ، غير محتشمين ولا مستحيين ، ولا متحرجين من انتهاك حرمة نبيهم الذي حذرهم وأنذرهم عاقبة هذا الشذوذ القذر المريض .
عندئذ تدخلت يد القدرة ، وتحرك الملائكة لأداء ما كلفوه وجاءوا من أجله : ( فطمسنا أعينهم )فلم يعودوا يرون شيئا ولا أحدا ؛ ولم يعودوا يقدرون على مساورة لوط ولا الإمساك بضيفه ! والإشارة إلى طمس أعينهم لا ترد إلا في هذا الموضع بهذا الوضوح . ففي موضع آخر ورد : ( قالوا : يا لوط إنا رسل ربك لن يصلوا إليك ) . . فزاد هنا ذكر الحالة التي صارت تمنعهم من أن يصلوا إليه . وهي انطماس العيون !
وبينما السياق يجري مجرى الحكاية ، إذا به حاضر مشهود ، وإذا الخطاب يوجه إلى المعذبين : ( فذوقوا عذابي ونذر ) . . فهذا هو العذاب الذي حذرتم منه ، وهذه هي النذر التي تماريتم فيها !
راودوه عن ضيفه : طلبوا منه تمكينهم منهم ليفجروا بهم .
فطمسنا أعينهم : حجبناها عن الإبصار ، فلم تر شيئا .
37- { وَلَقَدْ رَاوَدُوهُ عَنْ ضَيْفِهِ فَطَمَسْنَا أَعْيُنَهُمْ فَذُوقُوا عَذَابِي وَنُذُرِ } .
جاءت الملائكة إلى لوط في صورة شبان مرد حسان ، وبعثت امرأته العجوز الخائنة لأمانة زوجها إلى قومها تخبرهم بوجود شباب حسان عند لوط ، فأقبلوا مسرعين راغبين في الفجور واللواط بهؤلاء الشباب ، ولم يفتح لهم لوط الباب ، وعرض عليهم الزواج من ابنتيه فرفضوا ، وقالوا : ليست لنا رغبة في النساء ، إنما نريد اللواط بمن عندك من الشباب ، وهجموا على باب منزله يريدون كسر الباب ، وهنا نزل جبريل من السماء فمسح عيونهم فلم يروا شيئا ، فرجعوا على أدبارهم يتحسسون بالحيطان ، ويتوعدون لوطا بالانتقام منه في الصباح .
ثم حكى القرآن ما قيل لهم على ألسنة الملائكة : فَذُوقُوا عَذَابِي وَنُذُرِ .
ولما كان ترك الاحتياط في إعمال الحيلة في وجه الخلاص من إنذار النذير عظيم العراقة في السفه دل على أنهم تجاوزوا ذلك إلى انتهاك حرمة النذير ، فقال مقسماً لأن مثل ذلك لا يكاد يقع فلا يصدق من حكاه : { ولقد راودوه } أي زادوا في التكذيب الموجب للتعذيب أن عالجوا معالجة طويلة تحتاج إلى فتل ودوران { عن ضيفه } ليسلمهم إليهم وهم ملائكة في هيئة شباب مرد ، وأفردوا وإن كان المراد الجنس استعظاماً لذلك لو كان الضيف واحداً { فطمسنا } أي فتسبب عن مراودتهم أن طمسنا بعظمتنا { أعينهم } فسويناها مع سائر الوجوه فصارت بحيث لا يرى لها شق ، قال البغوي{[61762]} : هذا قول أكثر المفسرين ، وذلك بصفقة صفقها لهم جبريل عليه الصلاة والسلام ، وقال القشيري : مسح بجناحيه على وجوههم فعموا ولم يهتدوا للخروج ، وقال ابن جرير{[61763]} : والعرب تقول : طمست الريح الأعلام - إذا دفنتها بما يسفي عليها من التراب .
فانطلقوا هراباً مسرعين إلى الباب لا يهتدون إليه ولا يقعون عليه بل يصادمون الجدران خوفاً مما هو أعظم من ذلك وهم يقولون : عند لوط أسحر الناس ، وما أدتهم عقولهم أن يؤمنوا فينجوا أنفسهم مما حل بهم ، قال القشيري : وكذلك أجرى الله سبحانه سنته في أوليائه بأن يطمس على قلوب أعدائهم حتى يلتبس عليهم كيف يؤذون أولياءه ويخلصهم من كيدهم . ولما كان . . . أول عذابهم قال : { فذوقوا } أي فتسبب عن ذلك أن قال قائل عن الله بلسان القال أو الحال : أيها المكذبون ذوقوا بسبب تكذيبكم لرسلي في إنذارهم { عذابي ونذر * } أي وعاقبة إنذاري على ألسنة رسلي .
قوله : { ولقد راودوه عن ضيفه } لقد جاء لوطا ملائكة الله وهم جبريل وميكائيل ، وإسرافيل ، في صورة شبان مرد حسان ، على سبيل الفتنة لهم والامتحان من الله . فاستقبلهم لوط بما يستقبل به الأضياف المكرمون . فأعلمت امرأته قومها المجرمين بخبرهم فهرعوا إليه من كل مكان يراودونه عنهم . أي طلبوا منه أن يمكنهم منهم رغبة منهم في الفاحشة ، وهم يظنون أنهم من البشر . فأغلق لوط الباب دونهم ، لكنهم ألحوا من أجل الدخول فحاولوا كسر الباب . فوجد لوط في نفسه منهم حرجا بالغا وكادوا يغلبونه على الدخول . وحينئذ خرج عليهم جبريل – عليه السلام- فضرب أعينهم بطرف جناحه فانطمست وهو قوله : { فطمسنا أعينهم فذوقوا عذابي ونذر } أي أذهب أبصارهم تماما فلم يروا البتة ، ورجعوا على أدبارهم خاسئين يتحسسون الحيطان . وقيل : لم يبق لهم عيون بالكلية ، وذلكم الطمس .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.