قوله تعالى : { وَلَقَدْ رَاوَدُوهُ عَن ضَيْفِهِ } المراودة من الرَّوْدِ ، يقال : رَاوَدْتُهُ عَلَى كَذَا مُرَاوَدَةً ، ورَواداً أيْ أَرَدْتُهُ . وَرادَ الكَلأَ يَرُودُهُ رَوْداً وَرِياداً ، وارْتَادَهُ أيضاً أي طَلَبَهُ . وفي الحديث : «إذَا بَالَ أَحَدكُمْ فَلْيَرْتَدْ لِبَوْلِهِ » أي يطلب مكاناً ليناً أو منْحَدراً{[54125]} . قال ابن الخطيب : ومنه الإرادة وهي المطالبة{[54126]} غَيْرَ أن المطالبة تستعمل في العين ، يقال : طَالَبَ زَيْدٌ عَمْراً بالدَّرَاهِمِ ، والمراودة لا تستعمل إلا في العمل ، فيقال : رَاوَدَهُ عَنِ الْمُسَاعَدَةِ ، ولهذا تعدى المراودة إلى مفعول ثانٍ{[54127]} والمطالبة بالباء وذلك لأن الشغل منوطٌ باختيار الفاعل ، والعين قد توجد من غير اختيار منه فلهذا يفترق الحال بين قولك : أَخْبِرْنِي عَنْ أَمْرِ زَيْدٍ وأَخْبِرْنِي بأَمْر زَيْدٍ ، وكذا قوله : «أَخْبَرَنِي زَيْدٌ عَنْ مَجِيءِ فُلاَنٍ » وقوله : «أَخْبَرَنِي بمجيئه » ؛ فإن من قال عن مجيئه ربما يكون الإخبار عن كيفية المجيء لا عن نفسه ، وأخبرني بمجيئه ، لا يكون إلا عن نفس المجيء{[54128]} .
والضيف يقع على الواحد والجماعة ، والمعنى أرادوا منه تمكينهم ممن أتاه من الملائكة .
قوله : «فَطَمَسْنَا أَعْيُنَهُمْ » قرأ العامّة فَطَمسنَا مخففاً . وابن مِقْسِم مشدَّداً على التكثير ، لأجل المتعلق أو لشدة الفعل في نفسه{[54129]} .
والضمير في : «رَاوَدُوهُ » عائد على قومِ لوط . وأسند إليهم لأن جميعهم راضٍ بذلك ، والمراد الذين دخلوا عليه . روي أن جِبْرِيلَ - عليه الصلاة والسلام - ضربهم بجناحه فَعَمُوا . وقيل : صارت أعينهم كسائر الوجه لا يرى لها شِقّ ، كما تطمس الريح الأثر والأعلام بما تَسْفِي عليها من التراب ، وقال الضحاك : بل أعماهم الله تعالى فلم يَرَوا الرسل . وقالوا : لقد رأيناهم حين دخلوا البيت فأين ذهبوا فرجعوا ولم يروهم . وهذا قول ابن عباس{[54130]} .
فإن قيل : قال ههنا : فَطَمَسْنَا أَعْيُنَهُمْ ، وقال في يس : { وَلَوْ نَشَاءُ لَطَمَسْنَا على أَعْيُنِهِمْ } [ يس : 66 ] فما الفرق ؟
فالجواب : هذا يؤيد قول ابن عباس : بأن المراد من الطمس الحَجْبُ عن الإدراك ، ولم يجعل على بصرهم شيء . وفي «يس » أراد أنه لو شاء لجعل على بصرهم غشاوة أو أَلْزَقَ{[54131]} أحد الجَفْنَيْن بالآخَرِ فتكون العينُ جلدةً{[54132]} .
وروي أنهم صارت أعينهم مع وجودهم كالصفحة الواحدة .
قوله : { فَذُوقُواْ عَذَابِي وَنُذُرِ } الخطاب لهم ، أي قلنا على لسان الملائكة فذوقوا ، وهو خطاب مع كل مكذب ، أي إنْ كُنْتُمْ تُكَذِّبُونَ فَذُوقُوا .
قال القرطبي : والمراد من هذا الأمر الخبر أي : فَأَذَقْتُهُمْ عَذَابي الذي أنذرَهُمْ به لوطٌ{[54133]} .
فإن قيل : إذا كان المراد بقوله : «عذابي » هو العذاب العاجل ، وبقوله : «ونُذُر » هو العذاب الآجل فهما لم يكونا في زَمَانٍ واحد فكيف قال : ذوقوا ؟
فالجواب : أن العذاب الآجل أوله متصل بآخر العذاب العاجل فهما كالواقع في زمان واحد وهو كقوله تعالى : { أُغْرِقُواْ فَأُدْخِلُواْ نَاراً }{[54134]} [ نوح : 25 ] .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.