السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{وَلَقَدۡ رَٰوَدُوهُ عَن ضَيۡفِهِۦ فَطَمَسۡنَآ أَعۡيُنَهُمۡ فَذُوقُواْ عَذَابِي وَنُذُرِ} (37)

{ ولقد راودوه عن ضيفه } أي أرادوا أن يخلي بينهم وبين القوم الذين أتوه في صورة الأضياف ، ليخبثوا بهم ، وكانوا ملائكة في صورة شباب مرد ؛ وأفرد لأنّ المراد الجنس { فطمسنا } أي : فتسبب عن مراودتهم أن طمسنا بعظمتنا { أعينهم } أي : أعميناها ، وجعلناها بلا شق كباقي الوجه بأن صفقها جبريل عليه السلام بجناحه ؛ وقال الضحاك : بل أعماهم الله تعالى فلم يروا الرسل وقالوا : لقد رأيناهم حين دخلوا البيت فأين ذهبوا فرجعوا فلم يروهم ؛ وهذا قول ابن عباس وروي أنهم صارت أعينهم مع وجوههم كالصفيحة الواحدة ؛ وقال القشيري : مسح بجناحه على وجوههم فعموا ، ولم يهتدوا للخروج .

قال ابن جرير : والعرب تقول : طمست الريح الأعلام إذا دفنتها بما تسفي عليها ، فانطلقوا هاربين مسرعين إلى الباب لا يهتدون إليه ولا يقعون عليه ، بل يصادمون الجدران خوفاً مما هو أعظم من ذلك ، وهم يقولون عند ذلك لوط سحر الناس ، وما أدّتهم عقولهم إلى أن يؤمنوا فينجوا أنفسهم .

قال القشيري : وكذلك أجرى الله تعالى سنته في أوليائه بأن يطمس على قلوب أعدائهم حتى يلتبس عليهم كيف يؤذون أولياءه ويخلصهم من كيدهم . وقوله تعالى : { فذوقوا عذابي ونذر } أي : إنذاري وتخويفي ، خطاب لهم أي : قلنا لهم على لسان الملائكة فذوقوا ، فهو خطاب مع كل مكذب أي : إن كنتم تكذبون فذوقوا . قال القرطبي : والمراد من هذا الأمر الخبر أي : فأذقتهم عذابي الذي أنذرهم به لوط عليه السلام .

فإن قيل : النذر كيف تذاق ؟ أجيب بأنّ المراد ثمرته وفائدته .

فإن قيل : إذا كان المراد بقوله تعالى : { عذابي } هو العذاب العاجل وبقوله تعالى : { ونذر } هو العذاب الآجل : فهما لم يكونا في زمان واحد ، فكيف قال تعالى : { فذوقوا } ؟ أجيب : بأنّ العذاب الآجل أوّله متصل بآخر العذاب العاجل فهما كالواقع في زمان واحد ، وهو قوله تعالى : { أغرقوا فأدخلوا ناراً } [ نوح : 25 ] .