في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَلَمَّا جَآءَتۡ رُسُلُنَآ إِبۡرَٰهِيمَ بِٱلۡبُشۡرَىٰ قَالُوٓاْ إِنَّا مُهۡلِكُوٓاْ أَهۡلِ هَٰذِهِ ٱلۡقَرۡيَةِۖ إِنَّ أَهۡلَهَا كَانُواْ ظَٰلِمِينَ} (31)

14

و في الطريق يلم الملائكة المكلفون بالتنفيذ بإبراهيم ، يبشرونه بولد صالح من زوجه التي كانت من قبل عقيما :

ولما جاءت رسلنا إبراهيم بالبشرى قالوا : إنا مهلكو أهل هذه القرية ، إن أهلها كانوا ظالمين . قال : إن فيها لوطا . قالوا : نحن أعلم بمن فيها ، لننجينه وأهله إلا امرأته كانت من الغابرين ) . .

وهذا المشهد . مشهد الملائكة مع إبراهيم . مختصر في هذا الموضع لأنه ليس مقصودا ؛ قد سبق في قصة إبراهيم أن الله وهب له إسحاق ويعقوب ؛ وولادة اسحاق هي موضوع البشرى ، ومن ثم لم يفصل قصتها هنا لأن الغرض هو إتمام قصة لوط . فذكر أن مرور الملائكة بإبراهيم كان للبشرى . ثم أخبروه بمهمتهم الأولى : إنا مهلكوا أهل هذه القرية . إن أهلها كانوا ظالمين . .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَلَمَّا جَآءَتۡ رُسُلُنَآ إِبۡرَٰهِيمَ بِٱلۡبُشۡرَىٰ قَالُوٓاْ إِنَّا مُهۡلِكُوٓاْ أَهۡلِ هَٰذِهِ ٱلۡقَرۡيَةِۖ إِنَّ أَهۡلَهَا كَانُواْ ظَٰلِمِينَ} (31)

القول في تأويل قوله تعالى : { قَالَ رَبّ انصُرْنِي عَلَى الْقَوْمِ الْمُفْسِدِينَ * وَلَمّا جَآءَتْ رُسُلُنَآ إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَىَ قَالُوَاْ إِنّا مُهْلِكُوَ أَهْلِ هََذِهِ الْقَرْيَةِ إِنّ أَهْلَهَا كَانُواْ ظَالِمِينَ } .

يقول تعالى ذكره : وَلما جاءَتْ رُسُلُنا إبْراهِيمَ بالبُشْرَى من الله بإسحاق ، ومن وراء إسحاق يعقوب ، قالُوا إنّا مُهْلِكُوا أهْلِ هَذِهِ القَرْيَةِ يقول : قالت رسل الله لإبراهيم : إنا مهلكو أهل هذه القرية ، قرية سَدُوم ، وهي قرية قوم لوط إنّ أهْلَها كانُوا ظالِمِينَ يقول : إن أهلها كانوا ظالمي أنفسهم بمعصيتهم الله ، وتكذيبهم رسول الله صلى الله عليه وسلم .

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله ولَمّا جاءَتْ رُسُلُنا إبْرَاهِيمَ بالبُشْرَى . . . إلى قوله نَحْنُ أعْلَمُ بِمَنْ فِيها قال : فجادل إبراهيم الملائكة في قوم لوط أن يتركوا ، قال : فقال أرأيتم إن كان فيها عشرة أبيات من المسلمين أتتركونهم ؟ فقالت الملائكة : ليس فيها عشرة أبيات ، ولا خمسة ، ولا أربعة ، ولا ثلاثة ، ولا اثنان قال : فحَزِن على لوط وأهل بيته ، فقال إنّ فِيها لُوطا ، قالُوا نَحْنُ أعْلَمُ بِمَنْ فِيها ، لَنُنَجّيَنّه وأهْلَهُ ، إلاّ امْرأتَهُ كانَتْ مِنَ الغابِرِينَ فذلك قوله : يُجادِلُنا فِي قَوْمِ لُوطٍ ، إنّ إبْرَاهِيم لَحَلِيمٌ أوّاهٌ مُنِيبٌ . فقالت الملائكة : يا إبْرَاهِيمُ أعْرِضْ عَنْ هَذَا ، إنّهُ قَدْ جاءَ أمْرُ رَبّكَ ، وإنّهُمْ آتِيهِمْ عَذابٌ غيرُ مَرْدودٍ فبعث الله إليهم جبرائيل صلى الله عليه وسلم ، فانتسف المدينة وما فيها بأحد جناحية ، فجعل عاليها سافلها ، وتتبعهم بالحجارة بكل أرض .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَلَمَّا جَآءَتۡ رُسُلُنَآ إِبۡرَٰهِيمَ بِٱلۡبُشۡرَىٰ قَالُوٓاْ إِنَّا مُهۡلِكُوٓاْ أَهۡلِ هَٰذِهِ ٱلۡقَرۡيَةِۖ إِنَّ أَهۡلَهَا كَانُواْ ظَٰلِمِينَ} (31)

فبعث ملائكة لعذابهم{[9246]} ورجمهم بالحاصب فجاؤوا إبراهيم أولاً مبشرين بإسحاق ومبشرين بنصرة لوط على قومه ، وكان لقاؤهم لإبراهيم على الصورة التي بنيت في غير هذه الآية ، فلفظة «البشرى » في هذه الآية تتضمن أمر إسحاق ونصرة لوط ، ولما أخبره بإهلاك القرية على ظلمهم أشفق إبراهيم على لوط فعارضهم بأمره حسبما يأتي .


[9246]:ما بين العلامتين زيادة غير موجودة بالأصل ويقتضيها التعبير، وقد نقلناها عن القرطبي الذي نقل بدوره عن ابن عطية كل كلامه في هذا المقام.
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَلَمَّا جَآءَتۡ رُسُلُنَآ إِبۡرَٰهِيمَ بِٱلۡبُشۡرَىٰ قَالُوٓاْ إِنَّا مُهۡلِكُوٓاْ أَهۡلِ هَٰذِهِ ٱلۡقَرۡيَةِۖ إِنَّ أَهۡلَهَا كَانُواْ ظَٰلِمِينَ} (31)

{ لما } أداة تدل على التوقيت ، والأصل أنها ظرفٌ ملازم الإضافة إلى جملة . ومدلولها وجود لوجود ، أي وجود مضمون الجملة التي تضاف إليها عند وجود الجملة التي تتعلق بها فهي تستلزم جملتين : أولاهما فعلية ماضوية وتضاف إليها { لما } ، والثانية فعلية أو اسمية مشتملة على ما يصلح لأن يتعلق به الظرف من فعل أو اسم مشتق ، ويطلق على الجملة الثانية الواقعة بعد { لما } اسم الجزاء تسامحاً .

ولما كانت { لما } ظرفاً مبهماً تعين أن يكون مضمون الجملة التي تضاف إليها { لما } معلوماً للسامع ، إذ التوقيت الإعلام بمقارنة زمن مجهول بزمن معلوم . فوجود { لما } هنا يقتضي أن مجيء الملائكة بالبشرى أمر معلوم للسامع مع أنه لم يتقدم ذكر للبشرى ، فتعين أن يكون التعريف في البشرى تعريف العهد لاقتضاء { لما } أن تكون معلومة ، فالبشرى هي ما دل عليه قوله تعالى آنفاً { ووهبنا له إسحاق ويعقوب وجعلنا في ذريته النبوءة والكتاب } [ العنكبوت : 27 ] كما تقدم بيانه .

والبشرى : اسم للبشارة وهي الإخبار بما فيه مسرة للمخبر بفتح الباء وتقدم ذكر البشارة عند قوله تعالى { إنا أرسلناك بالحق بشيراً ونذيراً } في سورة البقرة ( 119 ) .

ومن لطف الله بإبراهيم أن قدّم له البشرى قبل إعلامه بإهلاك قوم لوط لعلمه تعالى بحلم إبراهيم . والمعنى : قالوا لإبراهيم إنا مهلكوا أهل هذه القرية الخ .

والقرية هي ( سدوم ) قرية قوم لوط . وقد تقدم ذكرها في سورة الأعراف .

وجملة { إن أهلها كانوا ظالمين } تعليل للإهلاك وقصد به استئناس إبراهيم لقبول هذا الخبر المحزن ، وأيضاً لأن العدل يقتضي أن لا يكون العقاب إلا على ذنب يقتضيه .

والظلم : ظلمهم أنفسهم بالكفر والفواحش ، وظلمهم الناس بالغصب على الفواحش والتدرب بها .