اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{وَلَمَّا جَآءَتۡ رُسُلُنَآ إِبۡرَٰهِيمَ بِٱلۡبُشۡرَىٰ قَالُوٓاْ إِنَّا مُهۡلِكُوٓاْ أَهۡلِ هَٰذِهِ ٱلۡقَرۡيَةِۖ إِنَّ أَهۡلَهَا كَانُواْ ظَٰلِمِينَ} (31)

قوله ( تعالى ){[41382]} : { وَلَمَّا جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بالبشرى } من الله بإسحاقَ ويعقوبَ { قالوا إِنَّا مهلكوا أَهْلِ هذه القرية } يعني قوم لوطِ { إِنَّ أَهْلَهَا كَانُواْ ظَالِمِينَ } . «قَالَ » إبْراهيم { إِنَّ فِيهَا لُوطاً } ، قالت الملائكة : { نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَن فِيهَا } ويأتي بقية الكلام على ذلك .

قوله : { وَلَمَّا أَن جَاءَتْ } تقدم{[41383]} نظيرها إلا أن هنا زيدت «أن » وهو مطّرد{[41384]} تأكيداً .

اعلم أنه لما دعا لوطٌ على قومه بقوله : «رب انصرني » استجاب الله دعاءه ، وأمره ملائكته بإهلاكهم وأرسلهم مبشرين ومنذرين فجاءوا إبراهيم وبشَّرُوه بذرية طيبة وقالوا إنا مهلكوا أهل هذه القرية يعني أهل سَدُومَ .

وفي الآية لطيفتان :

«إحداهما » : أن الله جعلهم مبشرين ومنذرين لكن البشارة إثْرَ الرحمة والإنذار بالهلاك إثْرَ الغضب ، ورحمته سبقت غضبه فقدم البشارة على الإنذار ، وقال : { جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بالبشرى } ثم قال{[41385]} : «إنَّا مُهْلِكُوا » ، «الثانية » : حين ذكروا البشرى ما هلكوا{[41386]} وقالوا : إنا نبشرك بأنك رسول ، أو لأنك مؤمن أو لأنك عادل ، وحين ذكروا الإهلاك هَلَكُوا ، وقالوا : إن أهلها كانوا ظالمين لأن ذا الفضل لا يكون فضله بعوض ، والعادل لا يكون عذابه إلا على جُرْمٍ .

فإن قيل : قال في قوم نوح : { فَأَخَذَهُمُ الطوفان وَهُمْ ظَالِمُونَ } ( وقيل : إن ذلك إشارة إلى أنهم كانوا على ظلمهم حين أخذهم ولم يقل : وهم ظَالِمُونَ ){[41387]} .

فالجواب : لا فرق في الموضعين في كونهما مُهْلَكِينَ وهم مصرّون على الظلم لكن هناك الإخبار من الله عن الماضي حيث قال : «فأخذهم » وهم عند الوقوع في العذاب ظالمون وهاهنا الإخبار من الملائكة عن المستقبل حيث قالوا : إنا مهلكوا أهل هذه القرية ، والملائكة ذكروا ما يحتاجون{[41388]} إليه في ( إبانة ) حسن الأمر من الله بالإهلاك فقالوا : { إِنَّا مهلكوا أَهْلِ هذه القرية } ؛ لأن الله أمرنا ؛ وحال ( ما ){[41389]} أمرنا كانُوا ظالمين فحسن أمر الله عند كل أحد وأما نحن فلا تخبر بما لا حاجة لنا إليه فإن الكلام في{[41390]} الملك بغيْر إذْنِهِ سوءُ أدب فنحن ما احتجنا إلا إلى هذه القَدْر وهو أنهم كانوا ظالمين في وقتنا هذا : وكونهم يَبْقُونَ كذلك فلا حاجة لنا إليه ،


[41382]:تكملة من ب.
[41383]:يقصد [هود: 77] وهي {ولما جاءت رسلنا لوطاً سيء بهم وضاق بهم ذرعاً وقال هذا يوم عصيب}.
[41384]:انظر البحر المحيط 7/150، والكشاف 3/205، والمغني 1/34، 35.
[41385]:في ب: قالوا بالجمع.
[41386]:في كلتا النسختين "هلكوا" والصواب الذي يقتضيه السياق والمعنى: عللوا.
[41387]:ما بين المعقوفين ساقط من ب.
[41388]:انظر الرازي 25/59، 60.
[41389]:ساقط من ب.
[41390]:في ب: عن الملك.