( وجاء فرعون ومن قبله والمؤتكفات بالخاطئة . فعصوا رسول ربهم فأخذهم أخذة رابية . . )
وفرعون كان في مصر - وهو فرعون موسى - ومن قبله لا يذكر عنهم تفصيل . والمؤتفكات قرى لوط المدمرة التي اتبعت الإفك أو التي انقلبت ، فاللفظ يعني هذا وهذا . ويجمل السياق فعال هؤلاء جميعا ، فيقول عنهم انهم جاءوا( بالخاطئة )أي بالفعلة الخاطئة . . من الخطيئة . .
القول في تأويل قوله تعالى : { وَجَآءَ فِرْعَوْنُ وَمَن قَبْلَهُ وَالْمُؤْتَفِكَاتُ بِالْخَاطِئَةِ * فَعَصَوْاْ رَسُولَ رَبّهِمْ فَأَخَذَهُمْ أَخْذَةً رّابِيَةً * إِنّا لَمّا طَغَا الْمَآءُ حَمَلْنَاكُمْ فِي الْجَارِيَةِ * لِنَجْعَلَهَا لَكُمْ تَذْكِرَةً وَتَعِيَهَآ أُذُنٌ وَاعِيَةٌ } .
يقول تعالى ذكره : وَجاءَ فِرْعَوْنُ مصر . واختلفت القرّاء في قراءة قوله : وَمَنْ قَبْلَهُ فقرأته عامة قرّاء المدينة والكوفة ومكة خلا الكسائيّ : وَمَنْ قَبْلَهُ بفتح القاف وسكون الباء ، بمعنى : وجاء من قبل فرعون من الأمم المكذبة بآيات الله كقوم نوح وعاد وثمود وقوم لوط بالخطيئة . وقرأ ذلك عامة قرّاء البصرة والكسائي : «وَمَنْ قِبَلِهِ » بكسر القاف وفتح الباء ، بمعنى : وجاء مع فرعون من أهل بلده مصر من القبط .
والصواب من القول في ذلك عندي أنهما قراءتان معروفتان صحيحتا المعنى ، فبأيتهما قرأ القارىء فمصيب . وقوله وَالمُؤْتَفِكاتُ بالخاطِئَةِ يقول : والقرى التي ائتفكت بأهلها فصار عاليها سافلها بالخاطِئةِ يعني بالخطيئة . وكانت خطيئتها : إتيانها الذكران في أدبارهم . وبنحو الذي قلنا في معنى قوله وَالمُؤْتَفِكاتُ قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : وَجاءَ فِرْعَوْنُ وَمَنْ قَبْلَهُ وَالمُؤْتَفِكاتُ قرية لوط . وفي بعض القراءة : «وَجاءَ فِرْعَوْنُ وَمَنْ مَعَهُ » .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : وَجاءَ فِرْعَوْنُ وَمَنْ قَبْلَهُ وَالمُؤْتَفِكاتُ بالخاطِئَةِ قال : المؤتفكات : قوم لوط ، ومدينتهم وزرعهم ، وفي قوله : وَالمُؤْتَفِكَةَ أهْوَى قال : أهواها من السماء : رمى بها من السماء أوحى الله إلى جبريل عليه السلام ، فاقتلعها من الأرض ، ربضها ومدينتها ، ثم هوى بها إلى السماء ثم قلبهم إلى الأرض ، ثم أتبعهم الصخر حجارة ، وقرأ قول الله : حِجارَةً مِنْ سِجّيل مَنْضُودٍ مُسَوّمَةً قال : المسوّمة : المُعَدّة للعذاب .
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : وَجاءَ فِرْعَوْنُ وَمَنْ قَبْلَهُ وَالمُؤْتَفِكاتُ بالخاطِئَةَ يعني المكذّبين .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة وَالمُؤْتَفِكاتُ هم قوم لوط ، ائتفكت بهم أرضُهم .
وبما قلنا في قوله : بالخاطِئَةِ قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد بالخاطِئَةِ قال : الخطايا .
عطف على جملة { كذبت ثمود وعاد بالقارعة } [ الحاقة : 4 ] .
وقد جُمع في الذكر هنا عدةُ أمم تقدمت قبل بعثة موسى عليه السلام إجمالاً وتصريحاً ، وخص منهم بالتصريح قوم فرعون والمؤتفكات لأنهم من أشهر الأمم ذكراً عند أهل الكتاب المختلطين بالعرب والنازلين بجوارهم ، فمن العرب من يبلغه بعض الخبر عن قصتهم .
وفي عطف هؤلاء على ثمود وعاد في سياق ذكر التكذيب بالقارعة إيماء إلى أنهم تشابهوا في التكذيب بالقارعة كما تشابهوا في المجيء بالخاطئة وعصيان رسل ربّهم ، فحصل في الكلام احتباك .
والمراد بفرعون فرعون الذي أرسل إليه موسى عليه السلام وهو ( مِنفطاح الثاني ) . وإنما أسند الخِطْء إليه لأن موسى أرسل إليه ليُطلق بني إسرائيل من العبودية قال تعالى : { اذهب إلى فرعون إنه طغى } [ النازعات : 17 ] فهو المؤاخذ بهذا العصيان وتبعه القبط امتثالاً لأمره وكذبوا موسى وأعرضوا عن دعوته .
وشمل قوله : { ومَن قبله } أمَماً كثيرة منها قوم نوح وقوم إبراهيم .
وقرأ الجمهور { ومن قَبله } بفتح القاف وسكون الباء . وقرأ أبو عمرو والكسائي ويعقوب بكسر القاف وفتح الباء ، أي ومن كان من جهته ، أي قومه وأتباعه .
و { المؤتفكات } : قُرى لوط الثلاثُ ، وأريد بالمؤتفكات سكانها وهم قوم لوط وخصوا بالذكر لشهرة جريمتهم ولكونهم كانوا مشهورين عند العرب إذ كانت قُراهم في طريقهم إلى الشام ، قال تعالى : { وإنكم لتمرُّون عليهم مصبحين وبالليل أفلا تعقلون } [ الصافات : 137 ، 138 ] وقال : { ولقد أتوا على القرية التي أُمْطِرت مطَر السوء أفلم يكونوا يرونها } [ الفرقان : 40 ] .
ووصفت قرى قوم لوط ب { المؤتفكات } جمع مؤتفكة اسم فاعل ائتفك مُطاوع أفَكَه ، إذا قلَبَه ، فهي المنقلبات ، أي قلبها قالب ، أي خسف بها قال تعالى : { جعلنا عاليها سافلها } [ هود : 82 ] .
والخاطئة : إمّا مصدر بوزن فاعلة وهاؤه هاء المرة الواحدة فلما استعمل مصدراً قطع النظر عن المرة ، كما تقدم في قوله : { الحاقة } [ الحاقة : 1 ] فهو مصدر خَطِىءَ ، إذا أذنب . والذنب : الخِطْء بكسر الخاء ، وإِما اسم فاعل خَطِىءَ وتأنيثه بتأويل : الفعلة ذات الخِطْء فهاؤه هاء تأنيث .
والتعريف فيه تعريف الجنس على كلا الوجهين ، فالمعنى : جاء كل منهم بالذنب المستحق للعقاب . وفرع عنه تفصيل ذنبهم المعبر عنه بالخَاطئة فقال { فعصوا رسول ربّهم } وهذا التفريع للتفصيل نظير التفريع في قوله : { كذبت قبلهم قوم نوح فكذبوا عبدنا وقالوا مجنون وازدجر } [ القمر : 9 ] في أنه تفريع بيان على المبيَّن .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.