الآية 9 وقوله تعالى : { وجاء فرعون ومن قبله } قرئ بكسر القاف وفتح الباء ، وقرئ بنصب القاف وجزم الباء .
فتأويل القراءة الأولى : { أي جاء فرعون ومن معه من جنده وأتباعه ، وقبله من كان من أهل القرى التي بقرب القرى . وقد روي في الشاذ في بعض الحروف : وجاء فرعون ومن دونه{[21889]} . وجائز [ أن يكونوا ]{[21890]} من أتباع فرعون ، وجائر ألا يكونوا ]{[21891]} .
وتأويل القراءة الثانية : أي جاء فرعون ومن كان مقدما عليه من الأمم الماضية . .
وقوله تعالى : { والمؤتفكات بالخاطئة } قيل : قريات لوط ائتفكت على أهلها أي انقلبت عليهم بما عصت رسلها ، وقيل : المؤتفك الذي يأتفك من الصدق إلى الكذب ومن الحق إلى الباطل ومن العدل إلى الجور .
فمن قرأ : ومن قبله بحفض القاف ، كان قوله . جاء فرعون ومن قبله : { والمؤتفكات بالخاطئة } { فعصوا رسول ربهم } واقعا كله على العصيان لموسى عليه السلام والمراد منه { والمؤتفكات } كل من ائتفك من الحق إلى الباطل دون أهل قريات لوط لأنهم كانوا كانوا قبل زمان موسى بكثير .
ومن قرأ : ومن قبله بنصب القاف ، كان قوله : { فعصوا رسول ربهم } واقعا على رسول كل فريف ، كأنه قال : أي عصت كل أمة رسولها . وعلى هذا يجوز أن يكون المراد من { والمؤتفكات } قوم لوط .
ثم قوله تعالى : { بالخاطئة } أي بالخطايا والشرك . وذكر أبو معاذ عن مجاهد في تفسير الخاطئة الشرك والكفر ، وأنكر ذلك ، واحتج بأن الله تعالى لم يذكر من قوم لوط كفرا وشركا في كتابه إنما ذكر ركونهم إلى الفاحشة ، وبها أهلكوا ، إذ {[21892]} لم ينزعوا ، ولم يتوبوا .
قال : ولو كانوا مشركين لم يقل لهم لوط . { هؤلاء بناتي هن أطهر لكم } [ هود : 78 ]أراد بذلك الإنكاح ، والكافر لا يصح له نكاح المسلمة .
وليس كما زعم ، بل كانوا أهل شرك وكفر بالله تعالى . ألا ترى إلى قوله في ما حكى عن قوم لوط من قولهم{[21893]} { لئن لم تنته يا لوط لتكونن من الخرجين } ؟ [ الشعراء : 167 ] فإخراج الرسل من أماكنها من صنيع أهل الكفر ، وقولهم{[21894]} في موضع آخر : { أخرجوا آل لوط من قريتكم } [ النمل : 56 ] فطابت أنفسهم بإخراج لوط عليه السلام من قراهم . ومن فعل هذا لم يشك في كفره .
وقال في قصة لوط أيضا : { فأخرجنا من كان فيها من المؤمنين } { فما وجدنا فيها غير بيت من المسلمين } [ الذاريات : 35و36 ] فثبت أنهم كانوا كفارا .
ثم لقائل أن يقول في قوله { وجاء فرعون ومن قبله والمؤتفكات بالخاطئة } { فعصوا رسول ربهم } أخبر أنه جاء فرعون إلى موسى ، وعصاه : كيف ذكر مجيء فرعون إلى موسى ، ولم يوجد منه المجيء إلى الرسول ، بل الرسول هو الذي جاءه ، فعصاه فرعون ، لا أن فرعون أتاه ، فاستقبله بالعصيان ؟ قيل : [ فيه وجهان :
أحدهما{[21895]} ] أن كل من أتى آخر ، وجاءه ، فقد أتاه الآخر ، ومن قرب [ إلى آخر فقد قرّب ] {[21896]}الآخر إليه ، لأن المجيء فعل مشترك ، لأنه اسم الالتقاء ، وإنما يقع الالتقاء بهما جميعا ، ليس بأحدهما ، فلذلك استقام من إضافة المجيء إلى فرعون .
وعلى هذا تأويل قوله تعالى : { وأزلفت الجنة للمتقين } أي قربت ، وأهلها الذين يقربون على الحقيقة ، ولكنهم إذا قربوا إليها ، فقد قربت هي إليهم ، فأضيف إلى التقريب . .
لهذه العبارة يمكن أن يتأول قوله تعالى : { وجاء ربك والملك صفا صفا } [ الفجر : 22 ] وقوله تعالى : { هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام } [ البقرة : 210 ] أي أتاه الخلق لا أن يكون هو الذي يأتيهم لأنه قال : { ويوم يرجعون إليه } [ النور : 64 ] وقال : { وإلى الله المصير } [ آل عمران : 28و . . ]
وقال{[21897]} : { وإلى الله ترجع الأمور } [ البقرة : 210 و . . ] فأخبر أن الخلق هم الذين يأتونه ، ويرجعون إليه ، ولكن ينسب {[21898]} المجيء والإتيان إلى الله تعالى ، لأنهم إذا أتوه فكأنه قد أتاهم من الوجه الذي ذكرنا دون أن يكون فيه إثبات الانتقال إلى الله تعالى . .
والثاني : أن اسم المجيء ، وإن أطلق ، واستعمل في المجيء إلى مكان ، فقد يستعمل أيضا في الموضع الذي ليس فيه حركة ولا انتقال ، قال الله تعالى : { وقل جاء الحق } ومعناه : ظهر الحق ، ليس أن الحق كان في موضع ، فانتقل عنه إلى غيره ، فأمكن أن يكون قوله : { وجاء فرعون } أي كذب بما أنزل على موسى عليه السلام وجائز أن يكون قوله : { وجاء فرعون } بالخاطئة ، فيكون المجيء مصروفا إلى الخطايا ، وهذا التأويل أملك بظاهر الآية لأنه قال : { وجاء فرعون ومن قبله والمؤتفكات بالخاطئة } أي جاؤوا بالخطايا .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.