تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{وَجَآءَ فِرۡعَوۡنُ وَمَن قَبۡلَهُۥ وَٱلۡمُؤۡتَفِكَٰتُ بِٱلۡخَاطِئَةِ} (9)

الآية 9 وقوله تعالى : { وجاء فرعون ومن قبله } قرئ بكسر القاف وفتح الباء ، وقرئ بنصب القاف وجزم الباء .

فتأويل القراءة الأولى : { أي جاء فرعون ومن معه من جنده وأتباعه ، وقبله من كان من أهل القرى التي بقرب القرى . وقد روي في الشاذ في بعض الحروف : وجاء فرعون ومن دونه{[21889]} . وجائز [ أن يكونوا ]{[21890]} من أتباع فرعون ، وجائر ألا يكونوا ]{[21891]} .

وتأويل القراءة الثانية : أي جاء فرعون ومن كان مقدما عليه من الأمم الماضية . .

وقوله تعالى : { والمؤتفكات بالخاطئة } قيل : قريات لوط ائتفكت على أهلها أي انقلبت عليهم بما عصت رسلها ، وقيل : المؤتفك الذي يأتفك من الصدق إلى الكذب ومن الحق إلى الباطل ومن العدل إلى الجور .

فمن قرأ : ومن قبله بحفض القاف ، كان قوله . جاء فرعون ومن قبله : { والمؤتفكات بالخاطئة } { فعصوا رسول ربهم } واقعا كله على العصيان لموسى عليه السلام والمراد منه { والمؤتفكات } كل من ائتفك من الحق إلى الباطل دون أهل قريات لوط لأنهم كانوا كانوا قبل زمان موسى بكثير .

ومن قرأ : ومن قبله بنصب القاف ، كان قوله : { فعصوا رسول ربهم } واقعا على رسول كل فريف ، كأنه قال : أي عصت كل أمة رسولها . وعلى هذا يجوز أن يكون المراد من { والمؤتفكات } قوم لوط .

ثم قوله تعالى : { بالخاطئة } أي بالخطايا والشرك . وذكر أبو معاذ عن مجاهد في تفسير الخاطئة الشرك والكفر ، وأنكر ذلك ، واحتج بأن الله تعالى لم يذكر من قوم لوط كفرا وشركا في كتابه إنما ذكر ركونهم إلى الفاحشة ، وبها أهلكوا ، إذ {[21892]} لم ينزعوا ، ولم يتوبوا .

قال : ولو كانوا مشركين لم يقل لهم لوط . { هؤلاء بناتي هن أطهر لكم } [ هود : 78 ]أراد بذلك الإنكاح ، والكافر لا يصح له نكاح المسلمة .

وليس كما زعم ، بل كانوا أهل شرك وكفر بالله تعالى . ألا ترى إلى قوله في ما حكى عن قوم لوط من قولهم{[21893]} { لئن لم تنته يا لوط لتكونن من الخرجين } ؟ [ الشعراء : 167 ] فإخراج الرسل من أماكنها من صنيع أهل الكفر ، وقولهم{[21894]} في موضع آخر : { أخرجوا آل لوط من قريتكم } [ النمل : 56 ] فطابت أنفسهم بإخراج لوط عليه السلام من قراهم . ومن فعل هذا لم يشك في كفره .

وقال في قصة لوط أيضا : { فأخرجنا من كان فيها من المؤمنين } { فما وجدنا فيها غير بيت من المسلمين } [ الذاريات : 35و36 ] فثبت أنهم كانوا كفارا .

ثم لقائل أن يقول في قوله { وجاء فرعون ومن قبله والمؤتفكات بالخاطئة } { فعصوا رسول ربهم } أخبر أنه جاء فرعون إلى موسى ، وعصاه : كيف ذكر مجيء فرعون إلى موسى ، ولم يوجد منه المجيء إلى الرسول ، بل الرسول هو الذي جاءه ، فعصاه فرعون ، لا أن فرعون أتاه ، فاستقبله بالعصيان ؟ قيل : [ فيه وجهان :

أحدهما{[21895]} ] أن كل من أتى آخر ، وجاءه ، فقد أتاه الآخر ، ومن قرب [ إلى آخر فقد قرّب ] {[21896]}الآخر إليه ، لأن المجيء فعل مشترك ، لأنه اسم الالتقاء ، وإنما يقع الالتقاء بهما جميعا ، ليس بأحدهما ، فلذلك استقام من إضافة المجيء إلى فرعون .

وعلى هذا تأويل قوله تعالى : { وأزلفت الجنة للمتقين } أي قربت ، وأهلها الذين يقربون على الحقيقة ، ولكنهم إذا قربوا إليها ، فقد قربت هي إليهم ، فأضيف إلى التقريب . .

لهذه العبارة يمكن أن يتأول قوله تعالى : { وجاء ربك والملك صفا صفا } [ الفجر : 22 ] وقوله تعالى : { هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام } [ البقرة : 210 ] أي أتاه الخلق لا أن يكون هو الذي يأتيهم لأنه قال : { ويوم يرجعون إليه } [ النور : 64 ] وقال : { وإلى الله المصير } [ آل عمران : 28و . . ]

وقال{[21897]} : { وإلى الله ترجع الأمور } [ البقرة : 210 و . . ] فأخبر أن الخلق هم الذين يأتونه ، ويرجعون إليه ، ولكن ينسب {[21898]} المجيء والإتيان إلى الله تعالى ، لأنهم إذا أتوه فكأنه قد أتاهم من الوجه الذي ذكرنا دون أن يكون فيه إثبات الانتقال إلى الله تعالى . .

والثاني : أن اسم المجيء ، وإن أطلق ، واستعمل في المجيء إلى مكان ، فقد يستعمل أيضا في الموضع الذي ليس فيه حركة ولا انتقال ، قال الله تعالى : { وقل جاء الحق } ومعناه : ظهر الحق ، ليس أن الحق كان في موضع ، فانتقل عنه إلى غيره ، فأمكن أن يكون قوله : { وجاء فرعون } أي كذب بما أنزل على موسى عليه السلام وجائز أن يكون قوله : { وجاء فرعون } بالخاطئة ، فيكون المجيء مصروفا إلى الخطايا ، وهذا التأويل أملك بظاهر الآية لأنه قال : { وجاء فرعون ومن قبله والمؤتفكات بالخاطئة } أي جاؤوا بالخطايا .


[21889]:نظر معجم القراءات القرآنية 206/7.
[21890]:في م:يكون.
[21891]:من ,في الأصل:ألا يكون.
[21892]:ي الأصل و م:إذا.
[21893]:في الأصل و م قوله.
[21894]:في الأصل و م:وقال.
[21895]:ساقطة من الأصل وم.
[21896]:من نسخة الحرم المكي، ساقطة من الأصل وم.
[21897]:في الأصل وم: و.
[21898]:في الأصل وم: يسبب.