يقول تعالى ذكره : وما ينطق محمد بهذا القرآن عن هواه { إن هو إلا وحي يوحى } يقول : ما هذا القرآن إلا وحي من الله يوحيه إليه . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل ، ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال ثنا سعيد ، عن قتادة قوله { وما ينطق عن الهوى } أي ما ينطق عن هواه {إن هو إلا وحي يوحى } قال : يوحي الله تبارك وتعالى إلى جبرائيل ويوحي جبريل إلى محمد صلى الله عليه وسلم .
استئناف بياني لجملة { وما ينطق عن الهوى } [ النجم : 3 ] .
وضمير { هو } عائد إلى المنطوق به المأخوذ من فعل { ينطق } كما في قوله تعالى : { اعدلوا هو أقرب للتقوى } [ المائدة : 8 ] أي العدل المأخوذ من فعل { اعْدلوا } .
ويجوز أن يعود الضمير إلى معلوم من سياق الرد عليهم لأنهم زعموا في أقوالهم المردودة بقوله : { ما ضل صاحبكم وما غوى } [ النجم : 2 ] زعموا القرآن سحراً ، أو شعراً ، أو كهانة ، أو أساطير الأوّلين ، أو إفكاً افتراه .
وإن كان النبي صلى الله عليه وسلم ينطق بغير القرآن عن وحي كما في حديث الحديبية في جوابه للذي سأله : ما يفعل المعتمر ؟ وكقوله : " إن روح القدس نفث في روعي أن نفساً لن تموت حتى تستكمل أجلها " ومثل جميع الأحاديث القدسية التي فيها قال الله تعالى ونحوه .
وفي « سنن أبي داود » و « الترمذي » من حديث المقدام بن معد يكرب قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إني أوتيت الكتاب ومثله معه ، ألا يوشك رجل شبعان على أريكته ، يقول : عليكم بهذا القرآن فما وجدتم فيه من حلال فأحِلُّوه وما وجدتم فيه من حرام فحرّموه " . وقد ينطق عن اجتهاد كأمره بكسر القدور التي طبخت فيها الحُمُر الأهلية فقيل له : أو نُهريقها ونغسلها ؟ فقال : « أو ذاك » .
فهذه الآية بمعزل عن إيرادها في الاحتجاج لجواز الاجتهاد للنبي صلى الله عليه وسلم لأنها كان نزولها في أول أمر الإِسلام وإن كان الأصح أن يجوز له الاجتهاد وأنه وقع منه وهي من مسائل أصول الفقه .
والوحي تقدم عند قوله تعالى : { إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح } في سورة النساء { 163 } . وجملة { يوحى } مؤكدة لجملة { إن هو إلا وحى } مع دلالة المضارع على أن ما ينطق به متجدد وحيه غير منقطع .
ومتعلِّق { يوحى } محذوف تقديره : إليه ، أي إلى صاحبكم .
وتُرك فاعل الوحي لضرب من الإِجمال الذي يعقبه التفصيل لأنه سيرد بعده ما يبينه من قوله : { فأوحى إلى عبده ما أوحى } .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
{إن هو إلا وحي يوحى} إليه يقول: ما هذا القرآن إلا وحى من الله تعالى يأتيه به جبريل صلى الله عليه وسلم، فذلك قوله: {علمه شديد القوى}...
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
يقول تعالى ذكره: وما ينطق محمد بهذا القرآن عن هواه.
{إن هو إلا وحي يوحى} يقول: ما هذا القرآن إلا وحي من الله يوحيه إليه...
وقيل: عنى بقوله {وما ينطق عن الهوى} بالهوى.
الكشف والبيان في تفسير القرآن للثعلبي 427 هـ :
{إِنْ هُوَ} ما ينطقه في الديّن {إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى} إليه.
النكت و العيون للماوردي 450 هـ :
أي يوحيه الله إلى جبريل ويوحيه جبريل إليه.
التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :
معناه ليس الذي يتلوه عليكم من القرآن إلا وحيا أوحاه الله اليه، فالوحي: إلقاء المعنى إلى النفس في خفى، إلا أنه صار كالعلم في ما يلقيه الملك إلى النبي (صلى الله عليه وآله).
الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :
وإنما هو وحي من عند الله يوحى إليه. ويحتج بهذه الآية من لا يرى الاجتهاد للأنبياء، ويجاب بأنّ الله تعالى إذا سوّغ لهم الاجتهاد، كان الاجتهاد وما يستند إليه كله وحياً لا نطقاً عن الهوى...
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :
{إن هو إلا وحي يوحى} يراد به القرآن بإجماع، والوحي: إلقاء المعنى في خفاء، وهذه عبارة تعم الملك والإلهام والإشارة وكل ما يحفظ من معاني الوحي...
{إن هو إلا وحي} أبلغ من قول القائل هو وحي، وفيه فائدة غير المبالغة وهي أنهم كانوا يقولون هو قول كاهن، هو قول شاعر، فأراد نفي قولهم وذلك يحصل بصيغة النفي، فقال ما هو كما يقولون، وزاد فقال: بل هو وحي، وفيه زيادة فائدة أخرى وهو قوله {يوحى} ذلك كقوله تعالى: {ولا طائر يطير بجناحيه} وفيه تحقيق الحقيقة فإن الفرس الشديد العدو ربما يقال هو طائر فإذا قال يطير بجناحيه يزيل جواز المجاز، كذلك يقول بعض من لا يحترز في الكلام ويبالغ في المبالغة كلام فلان وحي، كما يقول شعره سحر، وكما يقول قوله معجزة، فإذا قال يوحى يزول ذلك المجاز أو يبعد...
تفسير القرآن العظيم لابن كثير 774 هـ :
{إِنْ هُوَ إِلا وَحْيٌ يُوحَى} أي: إنما يقول ما أمر به، يبلغه إلى الناس كاملا موفَّرًا من غير زيادة ولا نقصان...وقال الإمام أحمد: حدثنا يحيى بن سعيد، عن عُبَيد الله بن الأخنس، أخبرنا الوليد بن عبد الله، عن يوسف بن مَاهَك، عن عبد الله بن عمرو قال: كنت أكتب كل شيء أسمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم أريد حفظه، فنهتني قريش فقالوا: إنك تكتب كل شيء تسمعه من رسول الله، ورسول الله صلى الله عليه وسلم بشر، يتكلم في الغضب. فأمسكتُ عن الكتاب، فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: "اكتب، فوالذي نفسي بيده، ما خرج مني إلا حق".
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
{إن} أي ما {هو} أي الذي يتكلم به من القرآن وبيانه، وكل أقواله وأفعاله وأحواله بيانه {إلا وحي} أي من الله تعالى، وأكده بقوله: {يوحى} أي يجدد إليه إيحاؤه منا وقتاً بعد وقت، ويجوز أن يجتهد صلى الله عليه وسلم، فإذا استقر اجتهاده على شيء أوحي إليه أنك قد أصبت الحق، مع أنه سبحانه قد أذن له في الاجتهاد بالوحي مع أن من يرد ما يجتهد فيه إلى ما أوحي إليه بريء من الهوي.
فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني 1250 هـ :
{يُوحَى} صفة لوحي تفيد الاستمرار التجددي، وتفيد نفي المجاز: أي هو وحي حقيقة لا لمجرد التسمية...
محاسن التأويل للقاسمي 1332 هـ :
والضمير للقرآن، لفهمه من السياق، ولأن كلام المنكرين كان في شأنه. وأرجعه بعضهم إلى ما ينطق به مطلقا. والصواب هو الأول. أعني: كون مرجع الضمير للقرآن، لما ذكرنا، فإنه ردّ لقولهم {افتراه} والقرينة من أكبر المخصصات. وجليّ أنه صلى الله عليه وسلم كثيرا ما يقول بالرأي في أمور الحرب، وأمور أخرى. فلا بد من التخصيص قطعا.
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
استئناف بياني لجملة {وما ينطق عن الهوى} [النجم: 3].
وضمير {هو} عائد إلى المنطوق به المأخوذ من فعل {ينطق}... كما في قوله تعالى: {اعدلوا هو أقرب للتقوى} [المائدة: 8] أي العدل المأخوذ من فعل {اعْدلوا}.
ويجوز أن يعود الضمير إلى معلوم من سياق الرد عليهم لأنهم زعموا في أقوالهم المردودة بقوله: {ما ضل صاحبكم وما غوى} [النجم: 2] زعموا القرآن سحراً، أو شعراً، أو كهانة، أو أساطير الأوّلين، أو إفكاً افتراه.
وإن كان النبي صلى الله عليه وسلم ينطق بغير القرآن عن وحي كما في حديث الحديبية في جوابه للذي سأله: ما يفعل المعتمر؟ وكقوله: "إن روح القدس نفث في روعي أن نفساً لن تموت حتى تستكمل أجلها " ومثل جميع الأحاديث القدسية التي فيها قال الله تعالى ونحوه.
وفي « سنن أبي داود» و « الترمذي» من حديث المقدام بن معد يكرب قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إني أوتيت الكتاب ومثله معه، ألا يوشك رجل شبعان على أريكته، يقول: عليكم بهذا القرآن فما وجدتم فيه من حلال فأحِلُّوه وما وجدتم فيه من حرام فحرّموه". وقد ينطق عن اجتهاد كأمره بكسر القدور التي طبخت فيها الحُمُر الأهلية فقيل له: أو نُهريقها ونغسلها؟ فقال: « أو ذاك».
فهذه الآية بمعزل عن إيرادها في الاحتجاج لجواز الاجتهاد للنبي صلى الله عليه وسلم لأنها كان نزولها في أول أمر الإِسلام وإن كان الأصح أن يجوز له الاجتهاد وأنه وقع منه وهي من مسائل أصول الفقه.
والوحي تقدم عند قوله تعالى: {إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح} في سورة النساء {163}. وجملة {يوحى} مؤكدة لجملة {إن هو إلا وحى} مع دلالة المضارع على أن ما ينطق به متجدد وحيه غير منقطع.
ومتعلِّق {يوحى} محذوف تقديره: إليه، أي إلى صاحبكم.
وتُرك فاعل الوحي لضرب من الإِجمال الذي يعقبه التفصيل لأنه سيرد بعده ما يبينه من قوله: {فأوحى إلى عبده ما أوحى}.
{إِنْ هُوَ..} [النجم: 4] أي: ما هو والمراد القرآن الكريم الذي نطق به محمد {إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَىٰ} [النجم: 4] أي: من عند الله، وهذا أسلوب قصر: ما القرآن إلا وحي وليس شيئاً آخر.
تفسير من و حي القرآن لحسين فضل الله 1431 هـ :
أوحى به الله إليه في آياته ليبلّغها لعباده لتدلّهم على الصراط المستقيم.