في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَلَقَدۡ رَٰوَدُوهُ عَن ضَيۡفِهِۦ فَطَمَسۡنَآ أَعۡيُنَهُمۡ فَذُوقُواْ عَذَابِي وَنُذُرِ} (37)

وبلغ منهم الفجور والاستهتار أن يراودوه هو نفسه عن ضيفه - من الملائكة - وقد حسبوهم غلمانا صباحا فهاج سعارهم الشاذ الملوث القذر ! وساوروا لوطا يريدون الاعتداء المنكر على ضيوفه ، غير محتشمين ولا مستحيين ، ولا متحرجين من انتهاك حرمة نبيهم الذي حذرهم وأنذرهم عاقبة هذا الشذوذ القذر المريض .

عندئذ تدخلت يد القدرة ، وتحرك الملائكة لأداء ما كلفوه وجاءوا من أجله : ( فطمسنا أعينهم )فلم يعودوا يرون شيئا ولا أحدا ؛ ولم يعودوا يقدرون على مساورة لوط ولا الإمساك بضيفه ! والإشارة إلى طمس أعينهم لا ترد إلا في هذا الموضع بهذا الوضوح . ففي موضع آخر ورد : ( قالوا : يا لوط إنا رسل ربك لن يصلوا إليك ) . . فزاد هنا ذكر الحالة التي صارت تمنعهم من أن يصلوا إليه . وهي انطماس العيون !

وبينما السياق يجري مجرى الحكاية ، إذا به حاضر مشهود ، وإذا الخطاب يوجه إلى المعذبين : ( فذوقوا عذابي ونذر ) . . فهذا هو العذاب الذي حذرتم منه ، وهذه هي النذر التي تماريتم فيها !

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَلَقَدۡ رَٰوَدُوهُ عَن ضَيۡفِهِۦ فَطَمَسۡنَآ أَعۡيُنَهُمۡ فَذُوقُواْ عَذَابِي وَنُذُرِ} (37)

وقوله : وَلَقَدْ رَاوَدُوهُ عَنْ ضَيْفِهِ يقول جلّ ثناؤه : ولقد راود لوطا قومه عن ضيفه الذين نزلوا به حين أراد الله إهلاكهم فَطَمَسْنا أعْيُنَهُمْ يقول : فطمسنا على أعينهم حتى صيرناها كسائر الوجه لا يرى لها شقّ ، فلم يبصروا ضيفه . والعرب تقول : قد طمست الريح الأعلام : إذا دفنتها بما تسفي عليها من التراب ، كما قال كعب بن زُهَير :

مِنْ كُلّ نَضّاخَةِ الذّفْرَى إذَا اعْتَرَقَتْ *** عُرْضَتُها طامِسُ الأعْلام مَجْهُولُ

يعني بقوله : طامِسُ الأعْلامِ : مندفن الأعلام . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : وَلَقَدْ رَاوَدُوهُ عَنْ ضَيْفِهِ فَطَمَسْنا أعْيُنَهُمْ قال : عمى الله عليهم الملائكة حين دخلوا على لوط .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : وَلَقَدْ رَاوَدُوهُ عَنْ ضَيْفِهِ فَطَمَسْنا أعْيُنَهُمْ وذُكر لنا أن جبريل عليه السلام استأذن ربه في عقوبتهم ليلة أتوا لوطا ، وأنهم عالجوا الباب ليدخلوا عليه ، فصفقهم بجناحه ، وتركهم عميا يتردّدون .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قول الله : وَلَقَدْ رَاوَدُوهُ عَنْ ضَيْفِهِ فَطَمَسْنا أعْيُنَهُمْ قال : هؤلاء قوم لوط حين راودوه عن ضيفه ، طمس الله أعينهم ، فكان ينهاهم عن عملهم الخبيث الذي كانوا يعملون ، فقالوا : إنا لا نترك عملنا فإياك أن تُنْزِل أحدا أو تُضيفه ، أو تدعه ينزل عليك ، فإنا لا نتركه ولا نترك عملنا . قال : فلما جاءه المرسلون ، خرجت امرأته الشقية من الشقّ ، فأتتهم فدعتهم ، وقالت لهم : تعالوا فإنه قد جاء قوم لم أر قطّ أحسن وجوها منهم ، ولا أحسن ثيابا ، ولا أطيب أرواحا منهم ، قال : فجاؤوه يهرعون إليه ، فقال : إن هؤلاء ضيفي ، فاتقوا الله ولا تحزوني في ضيفي ، قالوا : أو لم ننهك عن العالمين ؟ أليس قد تقدمنا إليك وأعذرنا فيما بيننا وبينك ؟ قال : هؤلاء بناتي هنّ أطهر لكم فقال له جبريل عليه السلام : ما يهولك من هؤلاء ؟ قال : أما ترى ما يريدون ؟ فقال : إنا رسل ربك لن يصلوا إليك ، لا تخف ولا تحزن إنا منجوك وأهلك إلا امرأتك ، لتصنعنّ هذا الأمر سرّا ، وليكوننّ فيه بلاء قال : فنشر جبريل عليه السلام جناحا من أجنحته ، فاختلس به أبصارهم ، فطمس أعينهم ، فجعلوا يجول بعضهم في بعض ، فذلك قول الله : فَطَمَسْنا أعْيُنَهُمْ فَذُوقُوا عَذَابِي وَنُذُرِ .

حُدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : أخبرنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : وَلَقَدْ رَاوَدُوهُ عَنْ ضَيْفِهِ جاءت الملائكة في صور الرجال ، وكذلك كانت تجيء ، فرآهم قوم لوط حين دخلوا القرية . وقيل : إنهم نزلوا بلوط ، فأقبلوا إليهم يريدونهم ، فتلقّاهم لوط يناشدهم الله أن لا يخزوه في ضيفه ، فأبوا عليه وجاؤوا ليدخلوا عليه ، فقالت الرسل للوط خلّ بينهم وبين الدخول ، فإنا رسل ربك ، لن يصلوا إليك ، فدخلوا البيت ، وطمس الله على أبصارهم ، فلم يروهم وقالوا : قد رأيناهم حين دخلوا البيت ، فأين ذهبوا ؟ فلم يروهم ورجعوا .

وقوله : فَذُوقُوا عَذَابِي وَنُذُرِ يقول تعالى ذكره : فذوقوا معشر قوم لوط من سذوم ، عذابي الذي حلّ بكم ، وإنذاري الذي أنذرت به غيركم من الأمم من النكال والمثلات .

 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{وَلَقَدۡ رَٰوَدُوهُ عَن ضَيۡفِهِۦ فَطَمَسۡنَآ أَعۡيُنَهُمۡ فَذُوقُواْ عَذَابِي وَنُذُرِ} (37)

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

"وَلَقَدْ رَاوَدُوهُ عَنْ ضَيْفِهِ" يقول جلّ ثناؤه: ولقد راود لوطا قومه عن ضيفه الذين نزلوا به حين أراد الله إهلاكهم، "فَطَمَسْنا أعْيُنَهُمْ" يقول: فطمسنا على أعينهم حتى صيرناها كسائر الوجه لا يرى لها شقّ، فلم يبصروا ضيفه. وقوله: "فَذُوقُوا عَذَابِي وَنُذُرِ" يقول تعالى ذكره: فذوقوا معشر قوم لوط من سدوم، عذابي الذي حلّ بكم، وإنذاري الذي أنذرت به غيركم من الأمم من النكال والمثلات.

النكت و العيون للماوردي 450 هـ :

{وَلَقَدْ رَاوَدُوهُ عَن ضَيْفِهِ} يعني ضيف لوط وهم الملائكة الذين نزلوا عليه في صورة الرجال، وكانوا على أحسن صورهم، فراودوا لوطاً عليهم طلباً للفاحشة. وفي طمس أعينهم وجهان:

أحدهما: أنهم اختفوا عن أبصارهم حتى لم يروهم، مع بقاء أعينهم، قاله الضحاك.

الثاني: أن أعينهم طمست حتى ذهبت أبصارهم وعموا فلم يروهم، قاله الحسن، وقتادة.

{فَذُوقُوا عَذَابِي وَنُذُرِ} فيه وجهان:

أحدهما: أنه وعيد بالعذاب الأدنى، قاله الضحاك.

الثاني: أنه تقريع بما نالهم من عذاب العمى الحال، وهو معنى قول الحسن، وقتادة.

إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود 982 هـ :

{فَذُوقُوا عَذَابِي وَنُذُرِ} أي فقلُنَا لهُم ذُوقوا على ألسنةِ الملائكةِ أو ظاهرُ الحالِ والمرادُ به الطمسُ فإنَّه من جملةِ ما أُنذرُوه من العذابِ.

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

والمراودة: محاولة رضَى الكَاره شيئاً بقبول ما كرهه، وهي مفاعلة من راد يرود رَوْداً، إذا ذهب ورجع في أمر، مُثِّلت هيئة من يكرر المراجعة والمحاولة بهيئة المنْصرف ثم الراجع. وأسند المراودة إلى ضمير قوم لوط وإن كان المراودون نفراً منهم لأن ما راودوا عليه هو راد جميع القوم بقطع النظر عن تعيين من يفعله. وعطف النذر على العذاب باعتبار أن العذاب تصديق للنذر، أي ذوقوا مصداق نذري، وتعدية فعل {ذوقوا} إلى {نذري} بتقدير مضاف، أي وآثار نذري.