في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{تِلۡكَ ءَايَٰتُ ٱللَّهِ نَتۡلُوهَا عَلَيۡكَ بِٱلۡحَقِّۚ وَإِنَّكَ لَمِنَ ٱلۡمُرۡسَلِينَ} (252)

243

وفي النهاية يجيء التعقيب الأخير على القصة :

( تلك آيات الله نتلوها عليك بالحق ، وإنك لمن المرسلين ) . .

تلك الآيات العالية المقام البعيدة الغايات ( نتلوها عليك ) . . الله - سبحانه وتعالى - هو الذي يتلوها وهو أمر هائل عظيم حين يتدبر الإنسان حقيقته العميقة الرهيبة . . ( نتلوها عليك بالحق ) . . تحمل معها الحق . ويتلوها من يملك حق تلاوتها وتنزيلها ، وجعلها دستورا للعباد . وليس هذا الحق لغير الله سبحانه . فكل من يسن للعباد منهجا غيره إنما هو مفتات على حق الله ، ظالم لنفسه وللعباد ، مدع ما لا يملك ، مبطل لا يستحق أن يطاع . فإنما يطاع أمر الله . وأمر من يهتدي بهدى الله . . دون سواه . .

( وإنك لمن المرسلين ) . .

ومن ثم نتلو عليك هذه الآية ؛ ونزودك بتجارب البشرية كلها في جميع أعصارها ؛ وتجارب الموكب الإيماني كله في جميع مراحله ، ونورثك ميراث المرسلين أجمعين . .

بهذا ينتهي هذا الدرس القيم الحافل بذخيرة التجارب . وبهذا ينتهي هذا الجزء الذي طوف بالجماعة المسلمة في شتى المجالات وشتى الاتجاهات ؛ وهو يربيها ويعدها للدور الخطير ، الذي قدره الله لها في الأرض ، وجعلها قيمة عليه ، وجعلها أمة وسطا تقوم على الناس بهذا المنهج الرباني - إلى آخر الزمان .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{تِلۡكَ ءَايَٰتُ ٱللَّهِ نَتۡلُوهَا عَلَيۡكَ بِٱلۡحَقِّۚ وَإِنَّكَ لَمِنَ ٱلۡمُرۡسَلِينَ} (252)

القول في تأويل قوله تعالى : { تِلْكَ آيَاتُ اللّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقّ وَإِنّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ }

يعني تعالى ذكره بقوله : تِلْكَ آياتُ اللّهِ هذه الاَيات التي اقتصّ الله فيها أمر الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت ، وأمر الملأ من بني إسرائيل من بعد موسى الذين سألوا نبيهم أن يبعث لهم طالوت ملكا وما بعدها من الاَيات إلى قوله : وَاللّهُ ذُو فَضْلٍ على العالَمِينَ . ويعني بقوله : آياتُ اللّهِ حججه وأعلامه وأدلته . يقول الله تعالى ذكره : فهذه الحجج التي أخبرتك بها يا محمد ، وأعلمتك من قدرتي على إماتة من هرب من الموت في ساعة واحدة وهم ألوف ، وإحيائي إياهم بعد ذلك ، وتمليكي طالوت أمر بني إسرائيل ، بعد إذ كان سقاء أو دباغا من غير أهل بيت المملكة ، وسلبي ذلك إياه بمعصيته أمري ، وصرفي ملكه إلى داود لطاعته إياي ، ونصرتي أصحاب طالوت ، مع قلة عددهم ، وضعف شوكتهم على جالوت وجنوده ، مع كثرة عددهم ، وشدة بطشهم حُجَج على من حجد نعمتي ، وخالف أمري ، وكفر برسولي من أهل الكتابين التوراة والإنجيل ، العالمين بما اقتصصت عليك من الأنباء الخفية ، التي يعلمون أنها من عندي لم تتخرّصها ولم تتقوّلها أنت يا محمد ، لأنك أميّ ، ولست ممن قرأ الكتب ، فيلتبس عليهم أمرك ، ويدّعوا أنك قرأت ذلك فعلمته من بعض أسفارهم ، ولكنها حُجَجي عليهم أتلوها عليك يا محمد بالحقّ اليقين كما كان ، لا زيادة فيه ، ولا تحريف ، ولا تغيير شيء منه عما كان . وإنّكَ يا محمد لمن المُرْسَلين يقول : إنك لمرسل متبع في طاعتي ، وإيثار مرضاتي على هواك ، فسالك في ذلك من أمرك سبيل من قَبْلك من رسلي الذين أقاموا على أمري ، وآثروا رضاي على هواهم ، ولم تغيرهم الأهواء ، ومطامع الدنيا كما غير طالوت هواه ، وإيثاره ملكه ، على ما عندي لأهل ولايتي ، ولكنك مؤثر أمري كما آثره المرسلون الذين قبلك .