في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَٱلسَّمَآءَ بَنَيۡنَٰهَا بِأَيۡيْدٖ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ} (47)

( والسماء بنيناها بأيد ، وإنا لموسعون ، والأرض فرشناها فنعم الماهدون ، ومن كل شيء خلقنا زوجين لعلكم تذكرون . ففروا إلى الله ، إني لكم منه نذير مبين . ولا تجعلوا مع الله إلها آخر ، إني لكم منه نذير مبين ) . .

إنها عودة إلى المعرض الكوني الذي افتتحت به السورة ، في صورة من صوره الكثيرة التي يجلوها القرآن للقلوب . واستطراد في الإشارة إلى آيات الله هنا وهناك ، يصل آية نوح بآية السماء وآية الأرض وآية الخلائق . ثم يخلص به إلى ذلك الهتاف بالبشر ليفروا إلى الله موحدين متجردين .

( والسماء بنيناها بأيد وإنا لموسعون ) . .

والأيد : القوة . والقوة أوضح ما ينبئ عنه بناء السماء الهائل المتماسك المتناسق . بأي مدلول من مدلولات كلمة السماء . سواء كانت تعني مدارات النجوم والكواكب . أم تعني مجموعة من المجموعات النجمية التي يطلق عليها اسم المجرة وتحوي مئات الملايين من النجوم . أم تعني طبقة من طبقات هذا الفضاء الذي تتناثر فيه النجوم والكواكب . . أم غير هذا من مدلولات كلمة السماء .

والسعة كذلك ظاهرة فهذه النجوم ذات الأحجام الهائلة والتي تعد بالملايين ، لا تعدو أن تكون ذرات متناثرة في هذا الفضاء الرحيب .

ولعل في الإشارة إلى السعة إيحاء آخر إلى مخازن الأرزاق التي قال من قبل : إنها في السماء ولو أن السماء هناك مجرد رمز إلى ما عند الله . ولكن التعبير القرآني يلقي ظلالا معينة ، يبدو أنها مقصودة في التعبير ، لخطاب المشاعر البشرية خطابا موحيا .

 
الوجيز في تفسير الكتاب العزيز للواحدي - الواحدي [إخفاء]  
{وَٱلسَّمَآءَ بَنَيۡنَٰهَا بِأَيۡيْدٖ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ} (47)

{ والسماء بنيناها بأيد } بقوة { وإنا لموسعون } لقادرون وقيل جاعلون بين السماء والأرض سعة

 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{وَٱلسَّمَآءَ بَنَيۡنَٰهَا بِأَيۡيْدٖ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ} (47)

ولما كان إهلاكهم بالماء الذي نزل من السماء ، وطلع من الأرض بغير حساب ، كان ربما ظن ظان أن ذلك كان لخلل كان فيهما ، ثم أصلح بعد ذلك كما يقع لبعض من يصنع من الملوك صنعاً يبالغ في إتقانه فيختل{[61435]} ، قال عاطفاً على ما نصب " يوم " مبيناً{[61436]} أن فعل ذلك ما كان بالاختيار ، دالاًّ على وحدانيته لتمام القدرة-{[61437]} الدالة على ما تقدم من أمر البعث : { والسماء بنيناها } بما لنا من العظمة { بأيد } أي بقوة وشدة عظيمة لا يقدر قدرها . ولما كانت السماء أليق لعظمتها وطهارتها بصفات الإلهية ، قال ، وأكد لما يلزم إنكارهم البعث من الطعن في القدرة : { وإنا } على عظمتنا مع ذلك { لموسعون * } أي أغنياء وقادرون ذو سعة لا تتناهى ، أي قدرة ، من الوسع وهو اللطافة ، وكذلك أوسعنا مقدار جرمها وما فيها من الرزق عن أهلها فالأرض كلها على اتساعها كالنقطة في وسط دائرة السماء بما اقتضته صفة الإلهية التي لا يصح فيها الشركة أصلاً ، ومطيقون لما لا يحصى من أمثال ذلك ، ومما هو أعظم منه مما لا يتناهى ، ومحيطون بكل شيء قدرة وعلماً ، وجديرون وحقيقون بأن يكون ذلك من أوصافنا فنوصف به لما يشاهد لنا من القوة على كل ما نريد ، فلسنا كمن يعرفون من الملوك لأنهم إذا فعلوا لا يقدرون على أعظم منه وإن قدروا كان-{[61438]} ذلك منهم بكلفة ومشقة ، وسترون في اليوم الآخر ما يتلاشى وما تريدون في جنبه ، ومن اتساعنا جعلها بلا عمد مع ما هي عليه من العظمة إلى غير ذلك من الأمور الخارقة للعوائد :


[61435]:في الأصل: فيحيل.
[61436]:في الأصل: مبليا.
[61437]:زيد ولا بد منه.
[61438]:زيد ولا بد منه.
 
التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز [إخفاء]  
{وَٱلسَّمَآءَ بَنَيۡنَٰهَا بِأَيۡيْدٖ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ} (47)

قوله تعالى : { والسماء بنيناها بأييد وإنا لموسعون 47 والأرض فرشناها فنعم الماهدون 48 ومن كل شيء خلقنا زوجين لعلكم تذكرون 49 ففروا إلى الله إني لكم منه نذير مبين 50 ولا تجعلوا مع الله إلاها آخر إني لكم منه نذير مبين } .

يبين الله في هذه الآيات عظيم قدرته الدالة على وحدانيته وأنه خالق كل شيء لا شريك له في الملك . وفي ذلك من البرهان الظاهر ما يسترعي دوام التفكر والنظر في عظمة الخالق . وهو قوله سبحانه : { والسماء بنيناها بأييد } بأيد ، أي بقوة . فقد خلق الله السماء على هيئتها العجيبة فكانت في غاية المتانة والتماسك والإحكام ، وأروع ما يكون عليه من الحسن والجمال وكمال الصنع والخلق ، بما يزجي بالدليل الساطع على كمال الخالق المقتدر العظيم .

قوله : { وإنا لموسعون } ذكر في تأويل ذلك عدة أقوال . فقد قيل : لموسعون ، أي لقادرون . وقيل : لمطيقون . وقيل : وسعنا أرجاءها ورفعنا بناءها على أن كلمة { لموسعون } تشير إلى السعة والاتساع ، مما يبين مدى الامتداد المذهل والسعة الهائلة لهذه السماء في عظيم امتدادها وبالغ إحاطتها ودقة تناسقها وروعة تماسكها وكثرة ما ينتثر فيها من الكواكب والنجوم ، ومختلف الأجرام التي لا تتصور كثرتها وعظمة أحجامها ، العقول .