قوله تعالى : " وما ينطق عن الهوى " قال قتادة : وما ينطق بالقرآن عن هواه " إن هو إلا وحي يوحى " إليه . وقيل : " عن الهوى " أي بالهوى ، قاله أبو عبيدة ، كقوله تعالى : " فاسأل به خبيرا{[14340]} " [ الفرقان : 59 ] أي فاسأل عنه . النحاس : قول قتادة أولى ، وتكون " عن " على بابها ، أي ما يخرج نطقه عن رأيه ، إنما هو بوحي من الله عز وجل ؛ لأن بعده : " إن هو إلا وحي يوحى " . وقد يحتج بهذه الآية من لا يجوز لرسول الله صلى الله عليه وسلم الاجتهاد في الحوادث . وفيها أيضا دلالة على أن السنة كالوحي المنزل في العمل . وقد تقدم في مقدمة الكتاب حديث المقدام بن معد يكرب{[14341]} في ذلك والحمد لله . قال السجستاني : إن شئت أبدلت " إن هو إلا وحي يوحى " من " ما ضل صاحبكم " قال ابن الأنباري : وهذا غلط ؛ لأن " إن " الخفيفة لا تكون مبدلة من " ما " الدليل على هذا أنك لا تقول : والله ما قمت إن أنا لقاعد .
ولما أكد سبحانه في نفسه ذلك عند التأكيد تنزيهاً له عما نسب إليه ، فكان ذلك مظنة السؤال عن أصل ما تقوله ، أجاب بالحصر والآية أصرح وأدفع لإنكارهم البالغ فقال : { إن } أي ما { هو } أي الذي يتكلم به من القرآن وبيانه ، وكل أقواله وأفعاله وأحواله بيانه { إلا وحي } أي من الله تعالى ، وأكده بقوله : { يوحى * } أي يجدد إليه إيحاؤه منا وقتاً بعد وقت ، ويجوز أن يجتهد صلى الله عليه وسلم ، فإذا استقر اجتهاده على شيء أوحي إليه أنك قد أصبت الحق ، مع أنه سبحانه قد أذن له في الاجتهاد بالوحي مع أن من يرد ما يجتهد فيه إلى ما أوحي إليه بريء من الهوي .
وقال أبو جعفر ابن الزبير في برهانه : لما قطع سبحانه تعليقهم بقوله : ساحر وشاعر ومجنون - إلى ما هو به مما علموا أنه لا يقوم على ساق ، ولكن شأن المنقطع المبهوت أن يستريح إلى ما أمكنه وإن لم يغن عنه ، أعقب الله سبحانه بقسمه على تنزيه نبيه وصفيه من خلقه عما تقوله وتوهمه الضعفاء فقال تعالى : { والنجم إذا هوى ما ضل صاحبكم وما غوى } ثم أتبع سبحانه هذا القسم ببسط الحال في تقريبه عليه السلام وإدنائه وتلقيه لما يتلقاه من ربه وعظيم منزلته لديه ، وفي إبداء ذلك يحركهم عزّ وجلّ ويذكرهم ويوبخهم على سوء نكاياتهم بلطف واستدعاء كريم منعم فقال تعالى : { أفرأيتم اللات والعزى } والتحمت الآي على هذه الأغراض إلى الإعلام بانفراده سبحانه بالإيجاد والقهر والإعزاز والانتقام ، لا يشاركه في شيء من ذلك غيره فقال : { وأن إلى ربك المنتهى وأنه هو أضحك وأبكى } . ولما بين ذلك فقال : { فبأي آلاء ربك تتمارى } أي في أيّ نعمة تشكون أم بأي آية تكذبون ؟ ثم قال : { هذا نذير من النذر الأولى } وإذا كان عليه الصلاة والسلام . . . فشأن مكذبيه شأن مكذبي غيره - انتهى .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.