في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب  
{وَهُوَ ٱلۡغَفُورُ ٱلۡوَدُودُ} (14)

( وهو الغفور الودود ) . . والمغفرة تتصل بقوله من قبل : ( ثم لم يتوبوا ) . . فهي من الرحمة والفضل الفائض بلا حدود ولا قيود . وهي الباب المفتوح الذي لا يغلق في وجه عائد تائب . ولو عظم الذنب وكبرت المعصية . . أما الود . . فيتصل بموقف المؤمنين ، الذين اختاروا ربهم على كل شيء . وهو الإيناس اللطيف الحلو الكريم . حين يرفع الله عباده الذين يؤثرونه ويحبونه إلى مرتبة ، يتحرج القلم من وصفها لولا أن فضل الله يجود بها . . مرتبة الصداقة . . الصداقة بين الرب والعبد . . ودرجة الود من الله لأودائه وأحبائه المقربين . . فماذا تكون الحياة التي ضحوا بها وهي ذاهبة ? وماذا يكون العذاب الذي احتملوه وهو موقوت ? ماذا يكون هذا إلى جانب قطرة من هذا الود الحلو ? وإلى جانب لمحة من هذا الإيناس الحبيب ?

إن عبيدا من رقيق هذه الأرض . عبيد الواحد من البشر ، ليلقون بأنفسهم إلى التهلكة لكلمة تشجيع تصدر من فمه ، أو لمحة رضاء تبدو في وجهه . . وهو عبد وهم عبيد . . فكيف بعباد الله . الذين يؤنسهم الله بوده الكريم الجليل ، الله( ذو العرش المجيد )العالي المهيمن الماجد الكريم ? ألا هانت الحياة . وهان الألم . وهان العذاب . وهان كل غال عزيز ، في سبيل لمحة رضى يجود بها المولى الودود ذو العرش المجيد . .