مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{وَهُوَ ٱلۡغَفُورُ ٱلۡوَدُودُ} (14)

ثم قال لتأكيد الوعد : { وهو الغفور الودود } فذكر من صفات جلاله وكبريائه خمسة :

( أولها ) : الغفور قالت المعتزلة : هو الغفور لمن تاب ، وقال أصحابنا : إنه غفور مطلقا لمن تاب ولمن لم يتب لقوله تعالى : { إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء } ولأن غفران التائب واجب وأداء الواجب لا يوجب التمدح والآية مذكورة في معرض التمدح ( وثانيها ) : الودود وفيه أقوال : ( أحدها ) المحب هذا قول أكثر المفسرين ، وهو مطابق للدلائل العقلية ، فإن الخير مقتضى بالذات والشر بالعرض ، ولا بد أن يكون الشر أقل من الخير فالغالب لابد وأن يكون خيرا فيكون محبوبا بالذات ( وثانيها ) : قال الكلبي : الودود هو المتودد إلى أوليائه بالمغفرة والجزاء ، والقول هو الأول ( وثالثها ) : قال الأزهري : قال بعض أهل اللغة يجوز أن يكون ودود فعولا بمعنى مفعول كركوب وحلوب ، ومعناه أن عباده الصالحين يودونه ويحبونه لما عرفوا من كماله في ذاته وصفاته وأفعاله ، قال : وكلتا الصفتين مدح لأنه جل ذكره إذا أحب عباده المطيعين فهو فضل منه ، وإن أحبه عباده العارفون فلما تقرر عندهم من كريم إحسانه . ( ورابعها ) : قال القفال : قيل الودود قد يكون بمعنى الحليم من قولهم : دابة ودود وهي المطيعة القياد التي كيف عطفتها انعطفت وأنشد قطرب :

وأعددت للحرب خيفانة *** ذلول القياد وقاحا ودودا