تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{أَلَمۡ تَرَ أَنَّآ أَرۡسَلۡنَا ٱلشَّيَٰطِينَ عَلَى ٱلۡكَٰفِرِينَ تَؤُزُّهُمۡ أَزّٗا} (83)

{ 83 - 84 } { أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّيَاطِينَ عَلَى الْكَافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزًّا * فَلَا تَعْجَلْ عَلَيْهِمْ إِنَّمَا نَعُدُّ لَهُمْ عَدًّا }

وهذا من عقوبة الكافرين أنهم -لما لم يعتصموا بالله ، ولم يتمسكوا بحبل الله ، بل أشركوا به ووالوا أعداءه ، من الشياطين- سلطهم عليهم ، وقيضهم لهم ، فجعلت الشياطين تؤزهم إلى المعاصي أزا ، وتزعجهم إلى الكفر إزعاجا ، فيوسوسون لهم ، ويوحون إليهم ، ويزينون لهم الباطل ، ويقبحون لهم الحق ، فيدخل حب الباطل في قلوبهم ويتشربها ، فيسعى فيه سعي المحق في حقه ، فينصره بجهده ويحارب عنه ، ويجاهد أهل الحق في سبيل الباطل ، وهذا كله ، جزاء له على توليه من وليه وتوليه لعدوه ، جعل له عليه سلطان ، وإلا فلو آمن بالله ، وتوكل عليه ، لم يكن له عليه سلطان ، كما قال تعالى :

{ إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ* إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ }

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{أَلَمۡ تَرَ أَنَّآ أَرۡسَلۡنَا ٱلشَّيَٰطِينَ عَلَى ٱلۡكَٰفِرِينَ تَؤُزُّهُمۡ أَزّٗا} (83)

استئناف بياني لجواب سؤال يجيش في نفس الرسول صلى الله عليه وسلم من إيغال الكافرين في الضلال جماعتهم وآحادهم ، وما جرّه إليهم من سوء المصير ابتداء من قوله تعالى : { ويقول الإنسان أإذا ما مِتّ لسوف أخرج حياً } [ مريم : 66 ] ، وما تخلل ذلك من ذكر إمهال الله إياهم في الدنيا ، وما أعد لهم من العذاب في الآخرة . وهي معترضة بين جملة { واتخذوا من دون الله آلهة } [ مريم : 81 ] وجملة { يوم نحشر المتقين } [ مريم : 85 ] . وأيضاً هي كالتذييل لتلك الآيات والتقرير لمضمونها لأنها تَستخلص أحوالهم ، وتتضمن تسلية الرسول صلى الله عليه وسلم عن إمهالهم وعدم تعجيل عقابهم .

والاستفهام في { ألم تر } تعجيبي ، ومثله شائع في كلام العرب يجعلون الاستفهام على نفي فعل . والمراد حصول ضده بحثّ المخاطب على الاهتمام بتحصيله ، أي كيف لم تر ذلك ، ونزّل إرسال الشياطين على الكافرين لاتضاح آثاره منزلة الشيء المرثي المشاهد ، فوقع التعجيب من مَرآه بقوله : ألم تر ذلك .

والأزُّ : الهزّ والاستفزاز الباطني ، مأخوذ من أزيز القدر إذا اشتد غليانها . شبه اضطراب اعتقادهم وتناقض أقوالهم واختلاق أكاذيبهم بالغليان في صعود وانخفاض وفرقعة وسكون ، فهو استعارة فتأكيده بالمصدر ترشيح .

وإرسال الشياطين عليهم تسخيرهم لها وعدم انتفاعهم بالإرشاد النبّوي المنقد من حبائلها ، وذلك لكفرهم وإعراضهم عن استماع مواعظ الوحي . وللإشارة إلى هذا المعنى عُدل عن الإضمار إلى الإظهار في قوله { على الكافرين } . وجعل { تؤزهم } حالاً مقيّداً للإرسال لأنّ الشياطين مرسلة على جميع الناس ولكن الله يحفظ المؤمنين من كيد الشياطين على حسب قوّة الإيمان وصلاح العمل ، قال تعالى : { إن عبادي ليس لك عليهم سلطان إلا من اتبعك من الغاوين } [ الحجر : 42 ] .

 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{أَلَمۡ تَرَ أَنَّآ أَرۡسَلۡنَا ٱلشَّيَٰطِينَ عَلَى ٱلۡكَٰفِرِينَ تَؤُزُّهُمۡ أَزّٗا} (83)

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: ألم تر يا محمد أنا أرسلنا الشياطين على أهل الكفر بالله "تَؤزّهُمْ "يقول: تحرّكهم بالإغواء والإضلال، فتزعجهم إلى معاصي الله، وتغريهم بها حتى يواقعوها

"أزّا": إزعاجا وإغواء... يقال منه: أزَزْت فلانا بكذا، إذا أغريته به أؤزّه أزّا وأزيزا، وسمعت أزيز القدر: وهو صوت غليانها على النار...

تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :

قال بعضهم: {أرسلنا} أي سلطنا عليهم كقوله: {إنما سلطانه على الذين يتولونه} [النحل: 100]. وقال بعضهم: {أرسلنا الشياطين} أي قَيَّضْنَاهُم لهم كقوله: {ومن يعش عن ذكر الرحمان نقيض له شيطانا فهو له قرين} [الزخرف: 36] فهما في الحقيقة واحد؛ لأنه إذا أرسلهم اتصلوا بهم وإذا اتصلوا بهم قيضوا، وقرنوا بعضهم ببعض. وقال الحسن وأبو بكر الأصم وغيرهما: {أرسلنا الشياطين على الكافرين} أي خلينا بينهم وبينهم، ولم نمنعهم منهم مما ذكر. لكن لو كان تأويل الإرسال التخلية، وتأويل التقييض كذلك لم يكن لتخصيص الكفار بذلك معنى إذ قد كان ذلك القدر من التخلية بينهم وبين المسلمين، إن كان تأويل التخلية أنه لم يمنعهم منهم وأنه خلى بينهم. فدل أن تخصيص الكفار بهذا وأمثاله ليس هو التخلية بل غيرها و أن تخصيص هؤلاء بهذا وأمثاله من قوله: {بل طبع الله عليها بكفرهم} [النساء: 155] [وقوله] {وجعلنا على قلوبهم أكنة} [الأنعام: 25،...] ونحوه، وأن هنالك من الله معنى في الكفار، ليس ذلك في المؤمنين، وفي المؤمنين معنى ليس في الكافرين. وهو، والله أعلم: إذا علم في المؤمنين الرغبة والإجابة وفقهم على ذلك، وهداهم. وإذا علم من الكفار خلاف ذلك وضده خذلهم، وأضلهم. فذلك تخصيصه إياهم بما ذكر، والله أعلم. وقوله تعالى: {تؤزهم أزا} قال بعضهم: تزعجهم إزعاجا. وقال بعضهم: تشلهم شلا، وتغريهم إغراء. وقال الحسن: تحركهم تحريكا. وقال بعضهم: تقدمهم إقداما إلى الشر. وقال بعضهم: تأمرهم أمرا. وقال بعضهم: توقعهم إيقاعا، ونحوه، وكله واحد...

الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :

الأز والهزّ والاستفزاز: أخوات، ومعناها التهييج وشدة الإزعاج، أي: تغريهم على المعاصي وتهيجهم لها بالوساوس والتسويلات. والمعنى: خلينا بينهم وبينهم ولم نمنعهم، ولو شاء لمنعهم قسراً. والمراد تعجيب رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد الآيات التي ذكر فيها العتاة والمردة من الكفار، وأقاويلهم وملاحتهم ومعاندتهم للرسل واستهزاؤهم بالدين: من تماديهم في الغيِّ وإفراطهم في العناد، وتصميمهم على الكفر، واجتماعهم على دفع الحق بعد وضوحه وانتفاء الشكّ عنه، وانهماكهم لذلك في اتباع الشياطين وما تسوِّل لهم.

المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :

وقوله {ألم تر أنا أرسلنا الشياطين...}، الرؤية في الآية رؤية القلب، و {أرسلنا} معناه سلطنا أو لم نحل بينهم وبينهم فكله تسليط وهو مثل قوله نقيض له شيطان وتعديته ب {على} دال على أنه تسليط...

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

ولما كان من المستبعد عندهم جواز رجوعهم عنهم فضلاً عن كفرهم بهم، دل على وقوعه بما يشاهد منهم من الأفعال المنافية لرزانة الحلم الناشئة عن وقار العلم، فقال: {ألم تر أنا} بما لنا من العظمة {أرسلنا الشياطين} الذين خلقناهم من النار، إرسالاً مستعلياً بالإبعاد والإحراق {على الكافرين} أي العريقين في الكفر {تؤزهم أزاً} أي تحركهم تحريكاً شديداً، وتزعجهم في المعاصي والدنايا التي لا يشكون في قباحتها وعظيم شناعتها وهم أشد الناس عيباً لفاعليها وذماً لمرتكبيها إزعاجاً عظيماً بحيث يكونون في تقلبهم ذلك مثل الماء الذي يغلي في القدر، ومثل الشرر المتطاير الذي هو أشد شيء منافاة لطبع الطين وملاءمة لطبع النار، فلما ثبت بذلك المدعى، تسبب عنه النهي عما اتصفوا به من خفة السفه وطيش الجهل فقال: {فلا تعجل عليهم} بشيء مما تريد به الراحة منهم...

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

استئناف بياني لجواب سؤال يجيش في نفس الرسول صلى الله عليه وسلم من إيغال الكافرين في الضلال جماعتهم وآحادهم، وما جرّه إليهم من سوء المصير ابتداء من قوله تعالى: {ويقول الإنسان أإذا ما مِتّ لسوف أخرج حياً} [مريم: 66]، وما تخلل ذلك من ذكر إمهال الله إياهم في الدنيا، وما أعد لهم من العذاب في الآخرة. وهي معترضة بين جملة {واتخذوا من دون الله آلهة} [مريم: 81] وجملة {يوم نحشر المتقين} [مريم: 85]. وأيضاً هي كالتذييل لتلك الآيات والتقرير لمضمونها لأنها تَستخلص أحوالهم، وتتضمن تسلية الرسول صلى الله عليه وسلم عن إمهالهم وعدم تعجيل عقابهم.

والاستفهام في {ألم تر} تعجيبي، ومثله شائع في كلام العرب يجعلون الاستفهام على نفي فعل. والمراد حصول ضده بحثّ المخاطب على الاهتمام بتحصيله، أي كيف لم تر ذلك، ونزّل إرسال الشياطين على الكافرين لاتضاح آثاره منزلة الشيء المرئي المشاهد، فوقع التعجيب من مَرآه بقوله: ألم تر ذلك.

والأزُّ: الهزّ والاستفزاز الباطني، مأخوذ من أزيز القدر إذا اشتد غليانها. شبه اضطراب اعتقادهم وتناقض أقوالهم واختلاق أكاذيبهم بالغليان في صعود وانخفاض وفرقعة وسكون، فهو استعارة فتأكيده بالمصدر ترشيح.

وإرسال الشياطين عليهم تسخيرهم لها وعدم انتفاعهم بالإرشاد النبّوي المنقذ من حبائلها، وذلك لكفرهم وإعراضهم عن استماع مواعظ الوحي. وللإشارة إلى هذا المعنى عُدل عن الإضمار إلى الإظهار في قوله {على الكافرين}. وجعل {تؤزهم} حالاً مقيّداً للإرسال لأنّ الشياطين مرسلة على جميع الناس ولكن الله يحفظ المؤمنين من كيد الشياطين على حسب قوّة الإيمان وصلاح العمل، قال تعالى: {إن عبادي ليس لك عليهم سلطان إلا من اتبعك من الغاوين} [الحجر: 42].