تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَٱلَّيۡلِ إِذَا سَجَىٰ} (2)

{ 1 - 11 } { بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وَالضُّحَى * وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى * مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى * وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولَى * وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى * أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى * وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى * وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَى * فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ * وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ * وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ }

أقسم تعالى بالنهار إذا انتشر ضياؤه بالضحى .

وبالليل إذا سجى وادلهمت ظلمته ، على اعتناء الله برسوله صلى الله عليه وسلم فقال : { مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ }

 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{وَٱلَّيۡلِ إِذَا سَجَىٰ} (2)

ولما ذكر النهار بأشرف ما فيه مناسبة لأجل المقسم لأجله ، أتبعه الليل مقيداً له بما يفهم إخلاصه لأنه ليس لأشرف ما فيه اسم يخصه فقال : { والّيل } أي الذي به تمام الصلاة ؛ ولما كان أوله وآخر النهار وآخره وأول النهار ضوءاً ممتزجاً بظلمة لالتفاف ساق الليل بساق النهار ، قيد بالظلام الخالص فقال : { إذا سجى * } أي سكن أهله أو ركد ظلامه وإلباسه وسواده واعتدل فخلص فغطى بظلامه كل شيء ، والمتسجي : المتغطي ، ومع تغطيته سكنت ريحه ، فكان في غاية الحسن ، ويمكن أن يكون الأول مشيراً إلى ما يأتي به هذا الرسول صلى الله عليه وسلم من المحكم ، والثاني مشيراً إلى المتشابه ، وهذه الأربعة الأحوال للنور والظلمة - وهي ضوء ممتزج بظلمة ، وظلمة ممتزجة بضوء ، وضياء خالص وظلام خالص - الحاصلة في الآفاق في الإنسان مثلها ، فروحه نور خالص ، وطبعه ظلام حالك ، وقلبه نور ممتزج بظلمة النفس ، والنفس ظلمة ممتزجة بنور القلب ، فإن قويت شهوة النفس على نورانية القلب أظلم جميعه ، وإن قويت نورانية القلب على ظلمة النفس صار نورانياً ، وإن غلبت الروح على الطبع تروخن فارتفع عن رتبة الملائكة ، وإن غلب الطبع على الروح أنزله عن رتبة البهائم كما قال تعالى :

{ إن هم إلا كالأنعام بل هم أضل سبيلاً }[ الأعراف : 179 ] .