غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{وَٱلَّيۡلِ إِذَا سَجَىٰ} (2)

1

لأن معنى سجى سكن واستقر ظلامه ، أو سكون الناس فيه فيكون الإسناد مجازياً . يقال : سجا البحر إذا سكنت أمواجه ، وطرف ساج أي ساكن فاتر . ولا ريب أن سجوّ الليل وقت استيلاء الظلام منه لا كله فهو بمنزلة الضحى من النهار . وهاهنا لطائف : الأولى : قدم ذكر الليل في السورة المتقدمة وعكس هاهنا لانفراد كل منهما بفضيلة مخصوصة ، فالليل للراحة والنهار لانتظام أمر المعاش فقدّم هذا على ذلك تارة وبالعكس أخرى لئلا يخلو شيء من النوعين عن فضيلة التقديم . وأيضاً تلك سورة أبي بكر وقد سبقه كفر يشبه الليل في الظلمة ، وهذه سورة محمد صلى الله عليه وسلم ولم يسبقه كفر طرفة عين ولا أقل من ذلك ، فبدأ النهار الذي هو يشابه الإيمان . فإن ذكرت الليل أولاً وهو أبو بكر ثم صعدت وجدت بعده النهار وهو محمد صلى الله عليه وسلم ، وإن ذكرت الضحى أولاً وهو محمد صلى الله عليه وسلم ثم نزلت وجدت بعده الليل وهو أبو بكر من غير واسطة بينهما كما وقع في نفس الأمر ، وكما ثبت من قصة الغار . الثانية : ما الحكمة في تخصيص القسم في أول هذه السورة بالضحى والليل ؟ والجواب لأن ساعات النهار كلما تنقص فإن ساعات الليل تزداد وبالعكس ، فلا تلك الزيادة للهوى ولا ذاك النقصان للقلى بل للحكمة ، فكذا الرسالة وإنزال الوحي بحسب المصالح فمرة إنزال ومرة حبس لا عن الهوى ولا عن القلى .

/خ11