اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{وَٱلَّيۡلِ إِذَا سَجَىٰ} (2)

و«سَجَى » ، أي : سكن ، قاله قتادة ومجاهد وابن زيد وعكرمة .

يقال : ليلة ساجية ، أي : ساكنة .

ويقال للعين إذا سكن طرفها ساجية ، ويقال : سَجَا الشَّيءُ سَجْواً إذا سكن ، وسَجَا البحر سُجُوًّا ، أي : سكنت أمواجُه وطرف ساج ، أي : فاتر ، ومنه استعير تسجية الميت ، أي : تغطيته بالثواب ؛ قاله الراغب .

وقال الأعشى : [ الطويل ]

5232- فَمَا ذَنْبُنَا أنْ جَاشَ بَحْرُ ابْنِ عمِّكُم*** وبَحْرُكَ سَاجٍ ما يُوَارِي الدَّعَامِصَا{[60378]}

وقال الفراء : أظلم .

وقال ابن الأعرابي : اشتد ظلامه .

وقال الشاعر : [ الرجز ]

5233- يا حَبَّذَا القَمراءُ واللَّيلُ السَّاجْ *** وطُرقٌ مِثْلُ مُلاءِ النَّسَّاجْ{[60379]}

[ قال الضحاك : سجا غطى كل شيء{[60380]} .

قال الأصمعي : سجو الليل ؛ تغطيته النهار ، ومثل ما يسجَّى الرجل الثوب .

وعن ابن عباس : سجا أدبر ، وعنه : أظلم{[60381]} .

وقال سعيد بن جبير : أقبل{[60382]} .

وعن مجاهد : سَجَا : استوى{[60383]} .

والقول الأول أشهر في اللغة ، أي : سكن الناس فيه كما قال : نهار صائم وليل قائم .

وقيل : سكونه استقرار ظلامه ، وهو من ذوات الواو ، وإنما أميل لموافقة رءوس الآي ، كالضحى ، فإنه من ذوات الواو أيضاً ]{[60384]} .

فصل

قال ابن الخطيب{[60385]} : وقدم هنا الضحى ، وفي السورة التي قبلها قدم الليل إما لأن لكلَّ منهما أثر عظيمٌ في صلاح العالم ، ولليل فضيلة السبق لقوله تعالى : { وَجَعَلَ الظلمات والنور } [ الأنعام : 1 ] ، وللنهار فضيلة النور ، فقدم سبحانه هذا تارة وقدم هذا تارة ، كالركوع والسجود في قوله تعالى : { اركعوا واسجدوا } [ الحج : 77 ] وقوله تعالى : { واسجدي واركعي مَعَ الراكعين } [ آل عمران : 43 ] .

وقيل : قدم الليل في سورة أبي بكر - رضي الله عنه - لأن أبا بكر سبقه كفر ، وقدم الضحى في سورة محمد صلى الله عليه وسلم لأنه نور محض ، ولم يتقدمه ذنب .

وقيل : لما كانت سورة «الليل » سورة أبي بكر - رضي الله عنه - وسورة «الضحى » سورة محمدٍ صلى الله عليه وسلم لم يجعل بينهما واسطة ، ليعلم أنه لا واسطة بين محمد صلى الله عليه وسلم وبين أبي بكر رضي الله عنه .

/خ2


[60378]:ينظر ديوانه 100، والقرطبي 20/62، والبحر 8/480، ومجمع البيان 10/763، والدر المصون 6/37.
[60379]:البيت للحارثي ينظر الخصائص 2/115، وشرح المفصل 7/139، 141، ومجاز القرآن 2/302، والطبري 30/147، والبحر 8/480، ومجمع البيان 10/762، والدر المصون 6/609).
[60380]:ينظر تفسير القرطبي (20/62).
[60381]:أخرجه الطبري في "تفسيره" (12/621) عن ابن عباس وذكره السيوطي في "الدر المنثور" (6/609).
[60382]:ذكره السيوطي في "الدر المنثور" (6/609) وعزاه إلى عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم.
[60383]:أخرجه الطبري في "تفسيره (12/622) وذكره السيوطي في "الدر المنثور" (6/609) وزاد نسبته إلى الفريابي وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم.
[60384]:سقط من: ب.
[60385]:ينظر: الفخر الرازي 31/189.