السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{وَٱلَّيۡلِ إِذَا سَجَىٰ} (2)

{ والليل } ، أي : الذي به تمام الصلاح { إذا سجى } ، أي : سكن وركد ظلامه يقال ليلة ساجية ساكنة الريح وقيل : معناه سكون الناس والأصوات فيه ، وسجى البحر : سكنت أمواجه ، وطرف ساج فاتر .

وقال قتادة : أقسم بالضحى الذي كلم الله تعالى فيه موسى وبليلة المعراج التي عرج فيها النبيّ صلى الله عليه وسلم فإن قيل : ما الحكمة في أنه تعالى قدّم هنا الضحى وفي السورة التي قبلها الليل ؟ أجيب : بأنّ لكل منهما أثراً عظيماً في صلاح العالم .

ولليل فضيلة السبق لقوله تعالى : { وجعل الظلمات والنور } [ الأنعام : 1 ] وللنهار فضيلة النور فقدّم سبحانه هذا تارة وهذا أخرى ، كالركوع والسجود في قوله تعالى : { اركعوا واسجدوا } [ الحج : 77 ] وقوله تعالى : { واسجدي واركعي مع الراكعين } [ آل عمران : 43 ] أو أنه قدّم الليل في سورة أبي بكر لأنّ أبا بكر سبقه كفر ، وقدّم الضحى في سورة محمد صلى الله عليه وسلم لأنه نور محض ولم يتقدّمه ذنب ، أو أنّ سورة الليل سورة أبي بكر وسورة الضحى سورة محمد صلى الله عليه وسلم ولم يجعل بينهما واسطة بين محمد صلى الله عليه وسلم وبين أبي بكر رضي الله تعالى عنه .

فإن قيل : ما الحكمة في كونه تعالى ذكر الضحى ، وهو ساعة وذكر الليل بجملته ؟ أجيب : بأنّ في ذلك إشارة إلى أن ساعة من نهار توازن جميع الليل كما أن محمداً صلى الله عليه وسلم يوازن جميع الأنبياء عليهم السلام ، وأيضاً الضحى وقت السرور والليل وقت الوحشة ففيه إشارة إلى أنّ سرور الدنيا أقل من شرورها ، وأنّ هموم الدنيا أدوم من سرورها ، فإنّ الضحى ساعة والليل ساعات .

ويروى أنّ الله تعالى لما خلق العرش أظلت عمامة سوداء ونادت ماذا أمطر ؟ فأجيبت : أن امطري السرور ساعة فلهذا ترى الهموم والأحزان دائمة والسرور قليلاً ونادراً ، وقدّم ذكر الضحى وأخر الليل ؛ لأنه يشبه الموت .