تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{ٱلَّذِينَ يَرِثُونَ ٱلۡفِرۡدَوۡسَ هُمۡ فِيهَا خَٰلِدُونَ} (11)

أو المراد بذلك جميع الجنة ، ليدخل بذلك عموم المؤمنين ، على درجاتهم و  مراتبهم كل بحسب حاله ، { هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ } لا يظعنون عنها ، ولا يبغون عنها حولا لاشتمالها على أكمل النعيم وأفضله وأتمه ، من غير مكدر ولا منغص .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{ٱلَّذِينَ يَرِثُونَ ٱلۡفِرۡدَوۡسَ هُمۡ فِيهَا خَٰلِدُونَ} (11)

ولَما وَصَفَهم [ الله ]{[20476]} تعالى بالقيام بهذه الصفات الحميدة والأفعال الرشيدة قال : { أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ }

وثبت في الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إذا سألتم الله الجنة فاسألوه الفردوس ، فإنه أعلى الجنة وأوسط الجنة ، ومنه تفجر أنهار الجنة ، وفوقه عرش الرحمن " {[20477]} .

وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أحمد بن سِنَان ، حدثنا أبو معاوية ، حدثنا الأعمش ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة ، رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما منكم من أحد إلا وله منزلان : منزل في الجنة ومنزل في النار ، فإن مات فدخل النار وَرثَ أهل الجنة منزله ، فذلك قوله : { أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ } {[20478]} .

وقال ابن جُرَيْج ، عن لَيْث ، عن مجاهد : { أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ } قال : ما من عبد إلا وله منزلان : منزل في الجنة ، ومنزل في النار ، فأما المؤمن فيُبنَى بيته الذي في الجنة ، ويُهدّم بيته الذي في النار{[20479]} ، وأما الكافر فيُهْدَم بيته الذي في الجنة ، ويُبنى بيته الذي في النار . وروي عن سعيد بن جُبَيْر نحو ذلك .

فالمؤمنون يرثون منازل الكفار ؛ لأنهم [ كلهم ]{[20480]} خلقوا لعبادة الله تعالى{[20481]} ، فلما قام هؤلاء المؤمنون بما وجب عليهم من العبادة ، وترَكَ أولئك ما أمرُوا به مما خُلقوا له - أحرزَ هؤلاء نصيب أولئك لو كانوا أطاعوا ربهم عز وجل ، بل أبلغ من هذا أيضًا ، وهو ما ثبت في صحيح مسلم ، عن أبي بُردَةَ{[20482]} ، عن أبيه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " يجيء يوم القيامة ناس من المسلمين بذنوب أمثال الجبال ، فيغفرها الله لهم ، ويضَعُها على اليهود والنصارى " {[20483]} .

وفي لفظ له : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إذا كان يوم القيامة دَفَعَ الله لكل مسلم يهوديًّا أو نصرانيًّا ، فيقال{[20484]} : هذا فَكَاكُكَ من النار " . فاستحلف عُمر بن عبد العزيز أبا بُردَةَ بالله الذي لا إله إلا هو ، ثلاث مرات ، أن أباه حَدَّثه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : فحلف له{[20485]} . قلت : وهذه الآية كقوله تعالى : { تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَنْ كَانَ تَقِيًّا } [ مريم : 63 ] ، وكقوله : { وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ } [ الزخرف : 73 ] . وقد قال مجاهد ، وسعيد بن جُبَيْر : الجنة بالرومية هي الفردوس .

وقال بعض السلف : لا يسمى البستان فردوسًا إلا إذا كان فيه عنب ، فالله أعلم{[20486]} .


[20476]:- زيادة من ف ، أ.
[20477]:- البخاري في صحيحه برقم (2790) ، (7423) عن أبي هريرة ، ولم يعزه صاحب التحفة إلى غير البخاري.
[20478]:- ورواه ابن ماجه في السنن برقم (4341) عن أبي بكر بن أبي شيبة وأحمد بن سنان ، كلاهما عن أبي معاوية به. وقال البوصيري في الزوائد (3/327) : "هذا إسناد صحيح على شرط الشيخين".
[20479]:- في ف ، أ : "فيهدم بيته الذي في النار ، ويبنى بيته الذي في الجنة".
[20480]:- زيادة من أ.
[20481]:- في ف ، أ : "وحده لا شريك له".
[20482]:- في ف ، أ : "بردة بن أبي موسى".
[20483]:- صحيح مسلم برقم (2767).
[20484]:- في ف ، أ : "فيقول".
[20485]:- صحيح مسلم برقم (2767).
[20486]:- في ف ، أ : "والله أعلم.

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{ٱلَّذِينَ يَرِثُونَ ٱلۡفِرۡدَوۡسَ هُمۡ فِيهَا خَٰلِدُونَ} (11)

{ الذين يرثون الفردوس } بيان لما يرثونه وتقييد للوراثة بعد إطلاقها تفخيما لها وتأكيدا ، وهي مستعارة لاستحقاقهم الفردوس من أعمالهم ، وإن كان بمقتضى وعده مبالغة فيه . وقيل إنهم يرثون من الكفار منازلهم فيها حيث فوتوها على أنفسهم لأنه تعالى خلق لكل إنسان منزلا في الجنة ومنزلا في النار . { هم فيها خالدون } أنت الضمير لأنه اسم للجنة أو لطبقتها العليا .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{ٱلَّذِينَ يَرِثُونَ ٱلۡفِرۡدَوۡسَ هُمۡ فِيهَا خَٰلِدُونَ} (11)

الفردوس : اسم من أسماء الجنَّة في مصطلح القرآن ، أو من أسماء أشرف جهات الجنات ، وأصل الفردوس : البستان الواسع الجامع لأصناف الثمر . وفي الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأم حارثة بن سُراقة لمّا أصابه سهم غرب يوم بدر فقتله ، وقالت أمّه : إن كان في الجنَّة أصبِرْ وأحتسِبْ فقال لها : " ويْحَكِ أهَبِلْتِ أوَ جَنَّةٌ واحدَةٌ هي ، إنَّها لجِنان كثيرة وإنه لفي الفردوس " .

وقد ورد في فضل هذه الآيات حديث عن عمر بن الخطاب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " أُنْزل عليّ عشر آيات من أقامهن دخل الجنة ثم قرأ { قد أفلح المؤمنون } [ المؤمنون : 1 ] حتى ختم عشر آيات " قال ابن العربي في « العارضة » : قوله : { الذين يرثون الفردوس } هي العاشرة ، رواه الترمذي وصححه .