ثم وصف ظلمهم فقال : { الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ } فصدوا بأنفسهم عن سبيل الله ، وهي سبيل الرسل ، التي دعوا الناس إليها ، وصدوا غيرهم عنها ، فصاروا أئمة يدعون إلى النار .
{ وَيَبْغُونَهَا } أي : سبيل الله { عِوَجًا } أي : يجتهدون في ميلها ، وتشيينها ، وتهجينها ، لتصير عند الناس غير مستقيمة ، فيحسنون الباطل ويقبحون الحق ، قبحهم الله { وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ }
وقوله : { الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا } أي يردُّون الناسَ عن اتباع الحق وسلوك طريق{[14544]} الهدى الموصلة إلى الله عز وجل ويجنبونهم{[14545]} الجنة ، { وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا } أي : ويريدون أن يكون طريقهم{[14546]} عوجا غير معتدلة ، { وَهُمْ بِالآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ } أي : جاحدون بها مكذبون بوقوعها وكونها .
القول في تأويل قوله تعالى : { الّذِينَ يَصُدّونَ عَن سَبِيلِ اللّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجاً وَهُمْ بِالاَخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ } .
يقول تعالى ذكره : ألا لعنة الله على الظالمين الذين يصدّون الناس عن الإيمان به والإقرار له بالعبودة وإخلاص العبادة له دون الاَلهة والأنداد من مشركي قريش ، وهم الذين كانوا يفتِنون عن الإسلام مَن دخل فيه . وَيَبْغُونَها عِوَجا يقول : ويلتمسون سبيل الله وهو الإسلام الذي دعا الناس إليه محمد ، يقول : زيغا وميلاً عن الاستقامة . وَهُمْ بالاَخِرَةِ هُمْ كافِرُونَ يقول : وهم بالبعث بعد الممات مع صدّهم عن سبيل الله وبغيهم إياها عوجا كافرون ، يقول : هم جاحدون ذلك منكرون .
قوله : { الذين يصدون عن سبيل الله ويبغونها عوجاً وهم بالآخرة هم كافرون } تقدم نظيره في سورة [ الأعراف : 45 ] .
وضمير المؤنث في قوله : ( يبغونها ) عائد إلى سبيل الله لأنّ السبيل يجوز اعتباره مؤنثاً .
والمعنى : أنهم يبغون أن تصير سبيل الله عَوجاء ، فعلم أن سبيل الله مستقيمة وأنهم يحاولون أن يصيروها عَوجاء لأنهم يريدون أن يتبع النبي صلى الله عليه وسلم دينهم ويغضبون من مخالفته إياه . وهنا انتهى كلام الأشهاد لأن نظيره الذي في سورة [ الأعراف : 44 ] في قوله : { فأذّن مؤذن بينهم أن لعنة الله على الظالمين } الآية انتهى بما يماثل آخر هذه الآية .
واختصت هذه الآية على نظيرها في الأعراف بزيادة ( هم ) في قوله : { هم كافرون } وهو توكيد يفيد تقوّي الحكم لأن المقام هنا مقام تسجيل إنكارهم البعث وتقريرِه إشعاراً بما يترقبهم من العقاب المناسب فحكي به من كلام الأشهاد ما يناسب هذا ، وما في سورة الأعراف حكاية لما قيل في شأن قوم أُدخلوا النار وظهر عقابهم فلا غَرض لحكاية ما فيه تأكيد من كلام الأشهاد ، وكلا المقالتين واقع وإنما يحكي البليغ فيما يحكيه ما له مناسبة لمقام الحكاية .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.