تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{أَفَلَمۡ يَدَّبَّرُواْ ٱلۡقَوۡلَ أَمۡ جَآءَهُم مَّا لَمۡ يَأۡتِ ءَابَآءَهُمُ ٱلۡأَوَّلِينَ} (68)

فلما كانوا جامعين لهذه الرذائل ، لا جرم حقت عليهم العقوبة ، ولما وقعوا فيها ، لم يكن لهم ناصر ينصرهم ، ولا مغيث ينقذهم ، ويوبخون عند ذلك بهذه الأعمال الساقطة { أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ } أي : أفلا يتفكرن في القرآن ويتأملونه ويتدبرونه ، أي : فإنهم لو تدبروه ، لأوجب لهم الإيمان ، ولمنعهم من الكفر ، ولكن المصيبة التي أصابتهم بسبب إعراضهم عنه ، ودل هذا على أن تدبر القرآن ، يدعو إلى كل خير ، ويعصم من كل شر ، والذي منعهم من تدبره أن على قلوبهم أقفالها .

{ أَمْ جَاءَهُمْ مَا لَمْ يَأْتِ آبَاءَهُمُ الْأَوَّلِينَ } أي : أو منعهم من الإيمان ، أنه جاءهم رسول وكتاب ، ما جاء آبائهم الأولين ، فرضوا بسلوك طريق آبائهم الضالين ، وعارضوا كل ما خالف ذلك ، ولهذا قالوا ، هم ومن أشبههم من الكفار ، ما أخبر الله عنهم : { وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ } فأجابهم بقوله : { قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ بِأَهْدَى مِمَّا وَجَدْتُمْ عَلَيْهِ آبَاءَكُمْ } فهل تتبعون إن كان قصدكم الحق ، فأجابوا بحقيقة أمرهم { قَالُوا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ }

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{أَفَلَمۡ يَدَّبَّرُواْ ٱلۡقَوۡلَ أَمۡ جَآءَهُم مَّا لَمۡ يَأۡتِ ءَابَآءَهُمُ ٱلۡأَوَّلِينَ} (68)

{ وَلَوْ رَحِمْنَاهُمْ وَكَشَفْنَا مَا بِهِمْ مِنْ ضُرٍّ لَلَجُّوا فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ ( 75 ) } .

يقول تعالى منكرًا على المشركين في عدم تفهمهم للقرآن العظيم ، وتدبرهم له وإعراضهم عنه ، مع أنهم قد خصوا بهذا الكتاب الذي لم ينزل الله على رسول أكمل منه ولا أشرف ، لا سيما وآباؤهم الذين ماتوا في الجاهلية ، حيث لم يبلغهم كتاب ولا أتاهم نذير ، فكان اللائق بهؤلاء أن يقابلوا النعمة التي أسداها الله إليهم بقبولها ، والقيام بشكرها وتفهمها ، والعمل بمقتضاها آناء الليل وأطراف النهار ، كما فعله النجباء منهم ممن أسلم واتبع الرسول ، صلوات الله وسلامه عليه ، ورضي عنهم .

وقال قتادة : { أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ } إذًا والله يجدون{[20600]} في القرآن زاجرًا عن معصية الله لو تدبره القوم وعقلوه ، ولكنهم أخذوا بما تشابه ، فهلكوا عند ذلك .


[20600]:- في ف ، أ : "تجدون".
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{أَفَلَمۡ يَدَّبَّرُواْ ٱلۡقَوۡلَ أَمۡ جَآءَهُم مَّا لَمۡ يَأۡتِ ءَابَآءَهُمُ ٱلۡأَوَّلِينَ} (68)

القول في تأويل قوله تعالى : { أَفَلَمْ يَدّبّرُواْ الْقَوْلَ أَمْ جَآءَهُمْ مّا لَمْ يَأْتِ آبَآءَهُمُ الأوّلِينَ * أَمْ لَمْ يَعْرِفُواْ رَسُولَهُمْ فَهُمْ لَهُ مُنكِرُونَ * أَمْ يَقُولُونَ بِهِ جِنّةٌ بَلْ جَآءَهُمْ بِالْحَقّ وَأَكْثَرُهُمْ لِلْحَقّ كَارِهُونَ } .

يقول تعالى ذكره : أفلم يتدبر هؤلاء المشركون تنزيل الله وكلامه ، فيعلموا ما فيه من العبر ، ويعرفوا حجج الله التي احتجّ بها عليه فيه ؟ أمْ جاءَهُمْ ما لَمْ يَأتِ آباءَهُمُ الأَوّلِينَ ؟ يقول : أم جاءهم أمر ما لم يأت من قبلهم من أسلافهم ، فاستكبروا ذلك وأعرضوا ، فقد جاءت الرسل من قبلهم ، وأنزلت معهم الكتب . وقد يحتمل أن تكون «أم » في هذا الموضع بمعنى : «بل » ، فيكون تأويل الكلام : أفلم يدبّروا القول ؟ بل جاءهم ما لم يأت آباءهم الأوّلين ، فتركوا لذلك التدبر وأعرضوا عنه ، إذ لم يكن فيمن سلف من آباءهم ذلك . وقد ذُكر عن ابن عباس في نحو هذا القول ، ما :

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جُرَيج ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، في قوله : أفَلَمْ يَدّبّرُوا القَوْلَ أمْ جاءَهُمْ ما لَمْ يَأْتِ آباءَهُمُ الأَوّلِينَ قال : لعمري لقد جاءهم ما لم يأت آباءهم الأوّلين ، ولكن أو لم يأتهم ما لم يأت آباءهم الأوّلين .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{أَفَلَمۡ يَدَّبَّرُواْ ٱلۡقَوۡلَ أَمۡ جَآءَهُم مَّا لَمۡ يَأۡتِ ءَابَآءَهُمُ ٱلۡأَوَّلِينَ} (68)

الفاء لتفريع الكلام على الكلام السابق وهو قوله { بل قلوبهم في غمرة من هذا } إلى قوله { سامراً تهجرون } [ المؤمنون : 63 67 ] . وهذا التفريع معترض بين جملة { بل قلوبهم في غمرة من هذا } وجملة { ولو رحمناهم وكشفنا ما بهم من ضر للجوا في طغيانهم يعمهون } [ المؤمنون : 75 ] .

والمفرع استفهامات عن سبب إعراضهم واستمرار قلوبهم في غمرة إلى أن يحل بهم العذاب الموعودونه .

وهذه الاستفهامات مستعملة في التخطئة على طريقة المجاز المرسل لأن اتضاح الخطأ يستلزم الشك في صدوره عن العقلاء فيقتضي ذلك الشك السؤال عن وقوعه من العقلاء .

ومآل معاني هذه الاستفهامات أنها إحصاء لمثار ضلالهم وخطئهم ولذلك خصت بذكر أمور من هذا القبيل . وكذلك احتجاج عليهم وقطع لمعذرتهم وإيقاظ لهم بأن صفات الرسول كلها دالة على صدقه .

فالاستفهام الأول : عن عدم تدبرهم فيما يتلى عليهم من القرآن وهو المقصود بالقول أي الكلام ، قال تعالى : { أفلا يتدبرون القرآن } [ النساء : 82 ] . والتدبر : إعمال النظر العقلي في دلالات الدلائل على ما نصبت له . وأصله أنه من النظر في دُبُر الأمر ، أي فيما لا يظهر منه للمتأمل بادىء ذي بدء . وقد تقدم عند قوله تعالى : { أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوَجدوا فيه اختلافاً كثيراً } في سورة النساء ( 82 ) .

والمعنى : أنهم لو تدبروا قول القرآن لعلموا أنه الحق بدلالة إعجازه وبصحة أغراضه ، فما كان استمرار عنادهم إلا لأنهم لم يدبروا القول . وهذا أحد العلل التي غمرت بهم في الكفر .

والاستفهام الثاني : هو المقدر بعد ( أم ) وقوله : { أم لم يعرفوا رسولهم } . ف ( أم ) حرف إضراب انتقالي من استفهام إلى غيره وهي ( أم ) المنقطعة بمعنى ( بل ) ويلزمها تقدير استفهام بعدها لا محالة . فقوله { جاءهم ما لم يأت آباءهم } تقديره : بل أجاءهم . والمجيء مجاز في الإخبار والتبليغ ، وكذلك الإتيان .

و ( ما ) الموصولة صادقة على دين . والمعنى : أجاءهم دين لم يأت آباءهم الأولين وهو الدين الداعي إلى توحيد الإله وإثبات البعث ، ولذلك كانوا يقولون : { إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مهتدون } [ الزخرف : 22 ] . ولهذا قال الله تعالى { وكذلك ما أرسلنا من قبلك في قرية من نذير إلا قال مترفوها إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون قل أو لو جئتكم بأهدى مما وجدتم عليه آباءكم قالوا إنا بما أرسلتم به كافرون } [ الزخرف : 23 ، 24 ] .

ثم إنه إن كان المراد ظاهر معنى الصلة وهي { ما لم يأت آباءهم الأولين } من أن الدين الذي جاءهم لا عهد لهم به ، تعين أن يكون في الكلام تهكم بهم إذ قد أنكروا ديناً جاءهم ولم يسبق مجيئه لآباءهم . ووجه التهكُّم أن شأن كل رسول جاء بدين أن يكون دينه أُنُفا ولو كان للقوم مثله لكان مجيئه تحصيل حاصل .

وإن كان المراد من الصلة أنه مخالف لما كان عليه آباؤهم لأن ذلك من معنى : لم يأت آباءهم ، كان الكلام مجرد تغليط ، أي لا اتجاه لكفرهم به لأنه مخالف لما كان عليه آباؤهم إذ لا يكون الدين إلا مخالفاً للضلالة ويكون في معنى قوله تعالى : { أم آتيناهم كتاباً من قبله فهم به مستمسكون بل قالوا إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مهتدون } [ الزخرف : 21 ، 22 ] .