تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{مَّلۡعُونِينَۖ أَيۡنَمَا ثُقِفُوٓاْ أُخِذُواْ وَقُتِّلُواْ تَقۡتِيلٗا} (61)

{ مَلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلًا }

أي : مبعدين ، أين{[725]}  وجدوا ، لا يحصل لهم أمن ، ولا يقر{[726]}  لهم قرار ، يخشون أن يقتلوا ، أو يحبسوا ، أو يعاقبوا .


[725]:- في ب: حيث.
[726]:- كذا في ب، وفي أ: ولا يقرر.
 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{مَّلۡعُونِينَۖ أَيۡنَمَا ثُقِفُوٓاْ أُخِذُواْ وَقُتِّلُواْ تَقۡتِيلٗا} (61)

{ مَلْعُونِينَ } حال منهم في مدة إقامتهم في المدينة مدة قريبة مطرودين مبعدين ، { أَيْنَمَا ثُقِفُوا } أي : وجدوا ، { أُخِذُوا } لذلتهم وقلتهم ، { وَقُتِّلُوا تَقْتِيلا } .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{مَّلۡعُونِينَۖ أَيۡنَمَا ثُقِفُوٓاْ أُخِذُواْ وَقُتِّلُواْ تَقۡتِيلٗا} (61)

وقوله : مَلْعُونِينَ إيْنَما ثُقِفُوا أخذوا وَقُتّلُوا تَقْتِيلاً يقول تعالى ذكره : مطرودين منفيين أينما ثقفوا يقول : حيثما لقوا من الأرض أخذوا وقتلوا لكفرهم بالله تقتيلاً . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة مَلْعُونِينَ على كلّ حال أيْنَما ثُقِفُوا أخذوا وَقُتّلُوا تَقْتِيلاً إذا هم أظهروا النفاق .

ونصب قوله : مَلْعُونِينَ على الشتم ، وقد يجوز أن يكون القليل من صفة الملعونين ، فيكون قوله ملعونين مردودا على القليل ، فيكون معناه : ثم لا يجاورونك فيها إلا أقلاء ملعونين يقتلون حيث أصيبوا .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{مَّلۡعُونِينَۖ أَيۡنَمَا ثُقِفُوٓاْ أُخِذُواْ وَقُتِّلُواْ تَقۡتِيلٗا} (61)

{ ملعونين } نصب على الشتم أو الحال والاستثناء شامل له أيضا أي : { لا يجاورونك } إلا معلونين ، ولا يجوز أن ينصب عن قوله : { أينما ثقفوا اخذوا وقتلوا تقتيلا } لأن ما بعد كلمة الشرط لا يعمل فيما قبلها .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{مَّلۡعُونِينَۖ أَيۡنَمَا ثُقِفُوٓاْ أُخِذُواْ وَقُتِّلُواْ تَقۡتِيلٗا} (61)

وقوله تعالى : { ملعونين } يجوز أن ينتصب على الذم قاله الطبري ، ويجوز أن يكون بدلاً من أقلاء الذي قدرناه قبل في أحد التأويلات{[9580]} ، ويجوز أن يكون حالاً من الضمير في { يجاورونك } كأنه قال ينتفون ملعونين ، فلما تقدر { لا يجاورونك } تقدير ينتفون ، حسن هذا ]{[9581]} ، واللعنة الإبعاد ، و { ثقفوا } معناه حصروا وقدر عليهم ، و { أخذوا } معناه أسروا ، والأخيذ الأسير ومنه قول العرب " أكذب من الأخيذ الصبحان " {[9582]} ، وقرأ جمهور الناس «وقتّلوا » بشد التاء ، ويؤيد هذا المصدر بعدها ، وقرأت فرقة بتخفيف التاء والمصدر على هذه القراءة على غير قياس ، قال الأعمش كل ما في القرآن غير هذا الموضع فهو «قتلوا » بالتخفيف{[9583]} .


[9580]:قال أبو حيان في البحر:"وتجويز ابن عطية أن يكون بدلا، فالبدل بالمشتق قليل".
[9581]:العبارة بين العلامتين وردت هكذا في الأصول، وأثبت في البحر محرفة، والظاهر أن الصواب فيها أن يقال:(فلما تقرر في {لا يجاورونك} تقدير"ينتفون"-حسن هذا)، أي كون[ملعونين] حالا من الضمير في [يجاورونك].
[9582]:الأخيذ: المأخوذ، أي: الأسير الذي أسر بعد أن شرب لبن الصباح، وأصل المثل أن رجلا خرج من حيه وقد اصطبح، فلقيه جيش يريدون قومه، فأخذوه وسألوه عن الحي، فقال: إنما بت في القفر ولا عهد لي بقومي، فبينما هم يتنازعون إذ غلبه البول فبال، فعلموا أنه قد اصطبح ولولا ذلك لم يبل، فطعنه واحد منهم فيبطنه فبدره اللبن، فمضوا غير بعيد فعثروا على الحي، وقال الفراء في مصادره:"أكذب من الأخيذ الصبحان" يعني الفصيل، يقال: أخذ يأخذ أخذا، إذا أكثر شرب اللبن، بأن يتفلت على أمه فيمتك لبنها فيأخذه، أي: يتخم منه، وكذبه أن التخمة تكسبه جوعا كاذبا، فهو لذلك يحرص على اللبن ثانيا.
[9583]:من ذلك قوله تعالى في الآية(169) من سورة(الأعراف):{ ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أموتا}، وقوله في الآية(195) من نفس السورة:{وقاتلوا وقتلوا لأكفرن عنهم سيئاتهم}، وقوله في الآية(58) من سورة الحج:{ والذين هاجروا في سبيل الله ثم قتلوا او ماتوا ليرزقنهم الله}، وقوله في الآية(4) من سورة (محمد):{والذين قتلوا في سبيل الله فلن يضل أعمالهم}.
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{مَّلۡعُونِينَۖ أَيۡنَمَا ثُقِفُوٓاْ أُخِذُواْ وَقُتِّلُواْ تَقۡتِيلٗا} (61)

و{ ملعونين } حال مما تضمنه { قليلاً } من معنى الجوار . فالجوار مصدر يتحمل ضمير صاحبه لأن أصل المصدر أن يضاف إلى فاعله ، والتقدير : إلا جوارهم ملعونين . وجعل صاحب « الكشاف » { ملعونين } مستثنى من أحوال بأن يكون حرف الاستثناء دخل على الظرف والحاللِ كما في قوله تعالى : { إلا أن يؤذن لكم إلى طعام غير ناظرين إناه } [ الأحزاب : 53 ] . وبونُ ما بين هذا وبين ما نظره به لأن ذلك مشتمل على ما يصلح مجيء الحال منه . والوجه هنا هو ما سلكناه في تقدير نظمه .

واللعن : الإِبعاد والطرد . وتقدم قوله تعالى : { وإن عليك اللعنة إلى يوم الدين } في سورة الحجر ( 35 ) ، وهو مستعمل هنا كناية عن الإِهانة والتجنب في المدينة ، أي يعاملهم المسلمون بتجنبهم عن مخالطتهم ويبتعدون هم من المؤمنين اتقاء ووجلاً فتضمن أن يكونوا متوارين مختفين خوفاً من بطش المؤمنين بهم حيث أغراهم النبي ، ففي قوله : { ملعونين } إيجاز بديع .

وقوله : { أينما ثُقِفُوا } ظرف مضاف إلى جملة وهو متعلِقٌ ب { ملعونين } لأن { ملعونين } حال منهم بعد صفتهم بأنهم في المدينة ، فأفاد عموم أمكنة المدينة . و { أينما } : اسم زمان متضمن معنى الشرط . والثقف : الظفَر والعثور على العدوّ بدون قصد . وقد مَهَّد لهذا الفعل قوله : { ملعونين } كما تقدم .

ومعنى { أخذوا } أُمسكوا . والأخذ : الإِمساك والقبض ، أي أُسروا ، والمراد : أخذت أموالهم إذ أغرى الله النبي صلى الله عليه وسلم بهم .

والتقتيل : قوة القتل . والقوة هنا بمعنى الكثرة لأن الشيء الكثير قوي في أصناف نوعه وأيضاً هو شديد في كونه سريعاً لا إمهال لهم فيه .

و { تقتيلاً } مصدر مؤكد لعامله ، أي قتِّلوا قتلاً شديداً شاملاً . فالتأكيد هنا تأكيد لتسلط القتل على جميع الأفراد المدلولة لضمير { قُتِّلوا } ، لرفع احتمال المجاز في عموم القتل ، فالمعنى : قتلوا قتلاً شديداً لا يفلت منه أحد .

وبهذا الوعيد انكفّ المنافقون عن أذاة المسلمين وعن الإِرجاف فلم يقع التقتيل فيهم إذ لم يحفظ أن النبي صلى الله عليه وسلم قتل منهم أحداً ولا أنهم خرج منهم أحد .

وهذه الآية ترشد إلى تقديم إصلاح الفاسد من الأمة على قطعة منها لأن إصلاح الفاسد يكسب الأمة فرداً صالحاً أو طائفة صالحة تنتفع الأمة منها كما قال النبي صلى الله عليه وسلم « لعل الله أن يخرج من أصلابهم من يعبده » . ولهذا شرعت استتابة المرتدّ قبل قتله ثلاثة أيام تعرض عليه فيها التوبة ، وشرعت دعوة الكفّار الذين يغزوهم المسلمون إلى دين الإِسلام قبل الشروع في غزوهم فإن أسلموا وإِلاّ عُرض عليهم الدخول في ذمة المسلمين لأن في دخولهم في الذمة انتفاعاً للمسلمين بجزيتهم والاعتضاد بهم .

وأما قتل القاتل عَمداً فشُرع فيه مجاراةً لقطع الأحقاد من قلوب أولياء القتيل لئلا يقتل بعض الأمة بعضاً ، إذ لا دواء لتلك العلة إلا القصاص . ولذلك رغب الشرع في العفو وفي قبوله . ومن أجل ذلك قال مالك في آية جزاء الذين يحاربون الله ورسله : إن ( أَو ) فيها للتنويع لا للتخيير فقال : يكون الجزاء بقدر جُرْم المحارب وكثرة مُقامه في فساده . وكان النفي من الأرض آخر أصناف الجزاء لأن فيه استبقاءه رجاء توبته وصلاح حاله .

 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{مَّلۡعُونِينَۖ أَيۡنَمَا ثُقِفُوٓاْ أُخِذُواْ وَقُتِّلُواْ تَقۡتِيلٗا} (61)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

نجعلهم {ملعونين أينما ثقفوا}، فأوجب لهم اللعنة على كل حال، أينما وجدوا وأدركوا.

{أخذوا وقتلوا تقتيلا}: خذوهم واقتلوهم قتالا، فانتهوا عن ذلك مخافة القتل.

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

وقوله:"مَلْعُونِينَ أيْنَما ثُقِفُوا أخذوا وَقُتّلُوا تَقْتِيلاً" يقول تعالى ذكره: مطرودين منفيين "أينما ثقفوا "يقول: حيثما لقوا من الأرض أخذوا وقتلوا لكفرهم بالله تقتيلاً.

المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :

... و {ثقفوا} معناه حصروا وقدر عليهم، و {أخذوا} معناه أسروا، والأخيذ الأسير...

مفاتيح الغيب للرازي 606 هـ :

أي في ذلك القليل الذي يجاورونك فيه يكونون ملعونين مطرودين من باب الله وبابك، وإذا خرجوا لا ينفكون عن المذلة ولا يجدون ملجأ.

مدارك التنزيل وحقائق التأويل للنسفي 710 هـ :

{أُخِذُواْ وَقُتّلُواْ تَقْتِيلاً} والتشديد يدل على التكثير.

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

ولما كان معنى الكلام أنهم ينفون لأنه صلى الله عليه وسلم يؤمر بنفيهم وإبعادهم وقتلهم، بين حالهم في نفيهم أو نصبه على الشتم فقال: {ملعونين} أي ينفون نفي بُعد من الرحمة وطرد عن أبواب القبول.

ولما كان المطرود قد يترك وبعده، بين أنهم على غير ذلك فقال مستأنفاً: {أينما ثقفوا} أي وجدوا وواجدهم أحذق منهم وأفطن وأكيس وأصنع {أخذوا} أي أخذهم ذلك الواجد لهم {وقتلوا} أي أكثر قتلهم وبولغ فيه؛ ثم أكده بالمصدر بغضاً فيهم وإرهاباً لهم فقال: {تقتيلاً}.

محاسن التأويل للقاسمي 1332 هـ :

{مَلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا} أي مبغضين لله وللخلق، لا يستريحون بالخروج، للصوق اللعنة بهم أينما وجدوا.

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

يسلط الله عليهم نبيه، كما سلطه على اليهود من قبل، فيطهر منهم جو المدينة، ويطاردهم من الأرض؛ و يبيح دمهم فحيثما وجدوا أخذوا وقتلوا. كما جرت سنة الله فيمن قبلهم من اليهود على يد النبي [صلى الله عليه وسلم] وغير اليهود من المفسدين في الأرض في القرون الخالية، ومن هذا التهديد الحاسم ندرك مدى قوة المسلمين في المدينة بعد بني قريظة، ومدى سيطرة الدولة الإسلامية عليها. وانزواء المنافقين إلا فيما يدبرونه من كيد خفي، لا يقدرون على الظهور؛ إلا وهم مهددون خائفون.

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

والتقتيل: قوة القتل، والقوة هنا بمعنى الكثرة؛ لأن الشيء الكثير قوي في أصناف نوعه، وأيضاً هو شديد في كونه سريعاً لا إمهال لهم فيه.

وهذه الآية ترشد إلى تقديم إصلاح الفاسد من الأمة على قطعة منها؛ لأن إصلاح الفاسد يكسب الأمة فرداً صالحاً أو طائفة صالحة تنتفع الأمة منها، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم « لعل الله أن يخرج من أصلابهم من يعبده» ولهذا شرعت استتابة المرتدّ قبل قتله ثلاثة أيام تعرض عليه فيها التوبة، وشرعت دعوة الكفّار الذين يغزوهم المسلمون إلى دين الإِسلام قبل الشروع في غزوهم، فإن أسلموا وإِلاّ عُرض عليهم الدخول في ذمة المسلمين؛ لأن في دخولهم في الذمة انتفاعاً للمسلمين بجزيتهم والاعتضاد بهم.

تفسير من و حي القرآن لحسين فضل الله 1431 هـ :

هذا هو الحكم الشرعي الذي ينبغي أن ينفذ فيهم ليجتث الجذور الفاسدة من المجتمع، التي إذا بقيت أهلكت المجتمع كله، ولم ينفع معها أيّ دواء.