وقوله : { فَكَانَتْ هَبَاءً مُنْبَثًّا } ، قال أبو إسحاق ، عن الحارث ، عن علي ، رضي الله عنه : { هَبَاءً مُنْبَثًّا } كرهَج الغبار يسطع ثم يذهب ، فلا يبقى منه شيء .
وقال العَوْفِيّ عن ابن عباس في قوله : { فَكَانَتْ هَبَاءً مُنْبَثًّا } : الهباء الذي يطير من النار ، إذا اضطرمت{[27987]} يطير منه الشرر ، فإذا وقع لم يكن شيئا .
وقال عكرمة : المنبث : الذي ذرته الريح وبثته . وقال قتادة : { هَبَاءً مُنْبَثًّا } كيبيس الشجر الذي تذروه{[27988]} الرياح .
وهذه الآية كأخواتها الدالة على زوال الجبال عن أماكنها يوم القيامة ، وذهابها وتسييرها ونسفها - أي قلعها - وصيرورتها كالعهن المنفوش .
وقوله : فَكانَتْ هَباءً مُنْبَثّا اختلف أهل التأويل في معنى الهباء ، فقال بعضهم : هو شعاع الشمس الذي يدخل من الكوّة كهيئة الغبار . ذكر من قال ذلك :
حدثني علي ، قال : حدثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، في قوله : فَكانَتْ هَباءً مُنْبَثّا يقول : شعاع الشمس .
حدثنا ابن حُمَيد ، قال : حدثنا حكام ، عن عمرو ، عن عطاء ، عن سعيد هَباءً مُنْبَثّا قال : شعاع الشمس حين يدخل من الكوّة .
قال : ثنا جرير ، عن منصور ، عن مجاهد ، في قوله : فَكانَتْ هَباءً مُنْبَثّا قال : شعاع الشمس يدخل من الكوّة ، وليس بشيء .
وقال آخرون : هو رهج الدوابّ . ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن حُمَيد ، قال : حدثنا مهران ، عن سفيان ، عن أبي إسحاق ، عن الحارث ، عن عليّ رضي الله عنه ، قال : رهج الدوابّ .
وقال آخرون : هو ما تطاير من شرر النار الذي لا عين له . ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : فَكانَتْ هَباء مُنْبَثّا قال : الهباء : الذي يطير من النار إذا اضطرمت ، يطير منه الشرر ، فإذا وقع لم يكن شيئا .
وقال آخرون : هو يبيس الشجر الذي تذروه الرياح . ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، في قوله : فَكانَتْ هَباءً مُنْبَثّا كَيبيس الشجر ، تذروه الرياح يمينا وشمالاً .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، في قوله : هَباءً مُنْبَثّا يقول : الهباء : ما تذروه الريح من حطام الشجر .
وقد بيّنا معنى الهباء في غير هذا الموضع بشواهده ، فأغنى عن إعادته في هذا الموضع .
و «الهباء » : ما يتطاير في الهواء من الأجزاء الدقيقة ، ولا يكاد يرى إلا في الشمس إذا دخلت من كوة ، قاله ابن عباس ومجاهد . وقال قتادة : الهباء : ما تطاير من يبس النبات{[10877]} . وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه الهباء : ما تطاير من حوافر الخيل والدواب . وقال ابن عباس أيضاً ، الهباء : ما تطاير من شرر النار ، فإذا طفي لم يوجد شيئاً . والمنبث : بتالتاء المثلثة ، الشائع في جميع الهواء .
وقرأ النخعي : «منبتاً » بالتاء بنقطتين ، أي متقطعاً ، ذكر ذلك الثعلبي .
وتفريع { فكانت هباءً منبثاً } على { بُسّت الجبال } لائق بمعنيي البسّ لأن الجبال إذا سيّرت فإنما تُسيّر تسييراً يفتتها ويفرقها ، أي تسييرَ بَعْثَرَة وارتطام .
والهباء : ما يلوح في خيوط شعاع الشمس من دقيق الغبار ، وتقدم عند قوله تعالى : { فجعلناه هباء منثوراً } في سورة الفرقان ( 23 ) .
والمنْبَثُّ : اسم فاعل انبثَّ ، مطاوع بثَّه ، إذا فرّقه . واختير هذا المطاوع لمناسبته مع قوله : و{ بست الجبال } في أن المبني للنائب معناه كالمطاوعة ، وقوله : { فكانت هباءً منبثاً } تشبيه بليغ ، أي فكانت كالهباء المنبث .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.