تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{قُلۡ أَنزَلَهُ ٱلَّذِي يَعۡلَمُ ٱلسِّرَّ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۚ إِنَّهُۥ كَانَ غَفُورٗا رَّحِيمٗا} (6)

فلذلك رد عليهم ذلك بقوله : { قُلْ أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ْ } أي : أنزله من أحاط علمه بما في السماوات وما في الأرض ، من الغيب والشهادة والجهر والسر كقوله : { وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ ْ }

ووجه إقامة الحجة عليهم أن الذي أنزله ، هو المحيط علمه بكل شيء ، فيستحيل ويمتنع أن يقول مخلوق ويتقول عليه هذا القرآن ، ويقول : هو من عند الله وما هو من عنده ويستحل دماء من خالفه وأموالهم ، ويزعم أن الله قال له ذلك ، والله يعلم كل شيء ومع ذلك فهو يؤيده وينصره على أعدائه ، ويمكنه من رقابهم وبلادهم فلا يمكن أحدا أن ينكر هذا القرآن ، إلا بعد إنكار علم الله ، وهذا لا تقول به طائفة من بني آدم سوى الفلاسفة الدهرية .

وأيضا فإن ذكر علمه تعالى العام ينبههم : ويحضهم على تدبر القرآن ، وأنهم لو تدبروا لرأوا فيه من علمه وأحكامه ما يدل دلالة قاطعة على أنه لا يكون إلا من عالم الغيب والشهادة ، ومع إنكارهم للتوحيد والرسالة من لطف الله بهم ، أنه لم يدعهم وظلمهم بل دعاهم إلى التوبة والإنابة إليه ووعدهم بالمغفرة والرحمة ، إن هم تابوا ورجعوا فقال : { إِنَّهُ كَانَ غَفُورًا ْ } أي : وصفه المغفرة لأهل الجرائم والذنوب ، إذا فعلوا أسباب المغفرة وهي الرجوع عن معاصيه والتوبة منها . { رَحِيمًا ْ } بهم حيث لم يعاجلهم بالعقوبة وقد فعلوا مقتضاها ، وحيث قبل توبتهم بعد المعاصي وحيث محا ما سلف من سيئاتهم وحيث قبل حسناتهم وحيث أعاد الراجع إليه بعد شروده والمقبل عليه بعد إعراضه إلى حالة المطيعين المنيبين إليه .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{قُلۡ أَنزَلَهُ ٱلَّذِي يَعۡلَمُ ٱلسِّرَّ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۚ إِنَّهُۥ كَانَ غَفُورٗا رَّحِيمٗا} (6)

أي : أنزل القرآن المشتمل على أخبار الأولين والآخرين إخباراً حقاً صدقاً مطابقاً للواقع في الخارج ، ماضيا ومستقبلا { أَنزلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ } أي : الله الذي يعلم غيب السموات والأرض ، ويعلم السرائر كعلمه بالظواهر .

وقوله : { إِنَّهُ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا } : دعاء لهم إلى التوبة والإنابة ، وإخبار بأن رحمته واسعة ، وأن حلمه عظيم ، وأن من تاب إليه تاب عليه . فهؤلاء مع كذبهم وافترائهم وفجورهم وبهتهم وكفرهم وعنادهم ، وقولهم عن الرسول والقرآن ما قالوا ، يدعوهم إلى التوبة والإقلاع عما هم فيه إلى الإسلام والهدى ، كما قال تعالى : { لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلا إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ * أَفَلا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ } [ المائدة : 73 - 74 ] ، وقال تعالى : { إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ } [ البروج : 10 ] . قال الحسن البصري : انظروا إلى هذا الكرم والجود ، قتلوا أولياءه وهو يدعوهم إلى التوبة والرحمة [ سبحانه وتعالى ]{[21403]} .


[21403]:- زيادة من ف ، أ.
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{قُلۡ أَنزَلَهُ ٱلَّذِي يَعۡلَمُ ٱلسِّرَّ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۚ إِنَّهُۥ كَانَ غَفُورٗا رَّحِيمٗا} (6)

وقوله : قُلْ أنْزَلَهُ الّذِي يَعْلَمُ السّرّ فِي السّمَوَاتِ والأرْضِ يقول تعالى ذكره : قل يا محمد لهؤلاء المكذّبين بآيات الله من مشركي قومك : ما الأمر كما تقولون من أن هذا القرآن أساطير الأوّلين وأن محمد صلى الله عليه وسلم افتراه وأعانه عليه قوم آخرون ، بل هو الحقّ ، أنزله الربّ الذي يعلم سرّ من في السموات ومن في الأرض ، ولا يخفى عليه شيء ، ومُحْصِي ذلك على خلقه ، ومُجازيهم بما عزمت عليه قلوبهم وأضمروه في نفوسهم . إنّهُ كانَ غَفُورا رَحِيما يقول : إنه لم يزل يصفح عن خلقه ويرحمهم ، فيتفضلُ عليهم بعفوه ، يقول : فلأَن ذلك من عادته في خلقه ، يُمْهلكم أيها القائلون ما قلتم من الإفك والفاعلون ما فعلتم من الكفر .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جُرَيج : قُلْ أنْزَلَهُ الّذِي يَعْلَمُ السّرّ فِي السّمَوَاتِ والأرْضِ قال : ما يسر أهل الأرض وأهل المساء .