اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{قُلۡ أَنزَلَهُ ٱلَّذِي يَعۡلَمُ ٱلسِّرَّ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۚ إِنَّهُۥ كَانَ غَفُورٗا رَّحِيمٗا} (6)

قوله : { قُلْ أَنزَلَهُ الذي يَعْلَمُ السر } الآية . وهذا جواب عن شبههم ، وذلك أنه - عليه السلام{[35378]} - تحداهم بالمعارضة وأظهر عجزهم عنها ، ولو كان عليه السلام{[35379]} أتى بالقرآن من عند نفسه ، أو استعان بأحد لكان من الواجب عليهم أيضاً أن يستعينوا بأحد ، فيأتوا بمثل هذا القرآن ، فلما عجزوا عنه ثبت أنه وحي الله وكلامه ، فلهذا قال : «قُلْ أَنْزَلَهُ » يعني : القرآن { الذي يَعْلَمُ السر } أي : الغيب { فِي السماوات والأرض } ؛ لأن القادر على تركيب ألفاظ القرآن لا بد وأن يكون عالماً بكل المعلومات ظاهرها وخفيها ، { وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ الله لَوَجَدُواْ فِيهِ اختلافا كَثِيراً }{[35380]} [ النساء : 82 ] ثم قال : { إِنَّهُ كَانَ غَفُوراً رَّحِيماً } ، فذكر الغفور في هذا الموضع لوجهين :

أحدهما : قال أبو مسلم : إنه لما أنزله لأجل الإنذار وجب أن يكون غفوراً رحيماً ، غير مستعجل بالعقوبة .

الثاني : أنهم استوجبوا بمكابرتهم هذه أن يصب عليهم العقاب صبًّا ، ولكن صرف عنهم كونه غفوراً رحيماً ، يمهل ولا يعاجل{[35381]} .


[35378]:في ب: عليه الصلاة والسلام.
[35379]:في ب: عليه الصلاة والسلام.
[35380]:انظر الفخر الرازي 24/51.
[35381]:انظر الفخر الرازي 24/52.