تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَأۡكُلُواْ ٱلرِّبَوٰٓاْ أَضۡعَٰفٗا مُّضَٰعَفَةٗۖ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ لَعَلَّكُمۡ تُفۡلِحُونَ} (130)

{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ * وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ * وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ * وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ * أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ }

تقدم في مقدمة هذا التفسير أن العبد ينبغي له مراعاة الأوامر والنواهي في نفسه وفي غيره ، وأن الله تعالى إذا أمره بأمر وجب عليه -أولا- أن يعرف حده ، وما هو الذي أمر به ليتمكن بذلك من امتثاله ، فإذا عرف ذلك اجتهد ، واستعان بالله على امتثاله في نفسه وفي غيره ، بحسب قدرته وإمكانه ، وكذلك إذا نهي عن أمر عرف حده ، وما يدخل فيه وما لا يدخل ، ثم اجتهد واستعان بربه في تركه ، وأن هذا ينبغي مراعاته في جميع الأوامر الإلهية والنواهي ، وهذه الآيات الكريمات قد اشتملت عن أوامر وخصال من خصال الخير ، أمر الله [ بها ] وحث على فعلها ، وأخبر عن جزاء أهلها ، وعلى نواهي حث على تركها .

ولعل الحكمة -والله أعلم- في إدخال هذه الآيات أثناء قصة " أحد " أنه قد تقدم أن الله تعالى وعد عباده المؤمنين ، أنهم إذا صبروا واتقوا نصرهم على أعدائهم ، وخذل الأعداء عنهم ، كما في قوله تعالى : { وإن تصبروا وتتقوا لا يضركم كيدهم شيئا }

ثم قال : { بلى إن تصبروا وتتقوا ويأتوكم من فورهم هذا يمددكم ربكم } الآيات .

فكأن النفوس اشتاقت إلى معرفة خصال التقوى ، التي يحصل بها النصر والفلاح والسعادة ، فذكر الله في هذه الآيات أهم خصال التقوى التي إذا قام العبد بها فقيامه بغيرها من باب أولى وأحرى ، ويدل على ما قلنا أن الله ذكر لفظ " التقوى " في هذه الآيات ثلاث مرات : مرة مطلقة وهي قوله : { أعدت للمتقين } ومرتين مقيدتين ، فقال : { واتقوا الله } { واتقوا النار }

فقوله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا } كل ما في القرآن من قوله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا } افعلوا كذا ، أو اتركوا كذا ، يدل على أن الإيمان هو السبب الداعي والموجب لامتثال ذلك الأمر ، واجتناب ذلك النهي ؛ لأن الإيمان هو التصديق الكامل بما يجب التصديق به ، المستلزم لأعمال الجوارح ، فنهاهم عن أكل الربا أضعافا مضاعفة ، وذلك هو ما اعتاده أهل الجاهلية ، ومن لا يبالي بالأوامر الشرعية من أنه إذا حل الدين ، على المعسر ولم يحصل منه شيء ، قالوا له : إما أن تقضي ما عليك من الدين ، وإما أن نزيد في المدة ، ويزيد ما في ذمتك ، فيضطر الفقير ويستدفع غريمه ويلتزم ذلك ، اغتناما لراحته الحاضرة ، ، فيزداد -بذلك- ما في ذمته أضعافا مضاعفة ، من غير نفع وانتفاع .

ففي قوله : { أضعافًا مضاعفة } تنبيه على شدة شناعته بكثرته ، وتنبيه لحكمة تحريمه ، وأن تحريم الربا حكمته أن الله منع منه لما فيه من الظلم .

وذلك أن الله أوجب إنظار المعسر ، وبقاء ما في ذمته من غير زيادة ، فإلزامه بما فوق ذلك ظلم متضاعف ، فيتعين على المؤمن المتقي تركه وعدم قربانه ، لأن تركه من موجبات التقوى .

والفلاح متوقف على التقوى ، فلهذا قال : { واتقوا الله لعلكم تفلحون

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَأۡكُلُواْ ٱلرِّبَوٰٓاْ أَضۡعَٰفٗا مُّضَٰعَفَةٗۖ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ لَعَلَّكُمۡ تُفۡلِحُونَ} (130)

يقول تعالى ناهيًا عباده المؤمنين عن تعاطي الربا وأكله أضعافا مضاعفة ، كما كانوا يقولون في الجاهلية - إذا حَلّ أجل الدين : إما أن يَقْضِي وإمّا أن يُرْبِي ، فإن قضاه وإلا زاده في المدة وزاده الآخَر في القَدْر ، وهكذا كلّ عام ، فربما{[5669]} تضاعف القليل حتى يصير كثيرًا مضاعفا .


[5669]:في ر: "وربما".