تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{مَآ أُرِيدُ مِنۡهُم مِّن رِّزۡقٖ وَمَآ أُرِيدُ أَن يُطۡعِمُونِ} (57)

فما يريد منهم من رزق وما يريد أن يطمعوه ، تعالى الله الغني المغني عن الحاجة إلى أحد بوجه من الوجوه ، وإنما جميع الخلق ، فقراء إليه ، في جميع حوائجهم ومطالبهم ، الضرورية وغيرها ، ولهذا قال :

 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{مَآ أُرِيدُ مِنۡهُم مِّن رِّزۡقٖ وَمَآ أُرِيدُ أَن يُطۡعِمُونِ} (57)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

"ما أريد منهم من رزق" يقول: لم أسألهم أن يرزقوا أحدا.

{وما أريد أن يطعمون} يعني أن يرزقون...

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

وقوله:"ما أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْق "يقول تعالى ذكره: ما أريد ممن خلقت من الجنّ والإنس من رزق يرزقونه خلقي.

"وَما أُرِيدُ أنْ يُطْعِمُونَ" يقول: وما أريد منهم من قوت أن يقوتوهم، ومن طعام أن يطعموهم...

تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :

ما أريد منهم أن يرزقوا أنفسهم ولا أن يُطعموا أحدا من خلقي، إنما عليّ رزقهم وإطعامهم كقوله تعالى: {وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها} [هود: 6]. ويحتمل: {ما أريد منهم من رزق} إن يرزُقوا من لا يقوم بأسباب الرزق، وأن يُطعموهم؛ إن ذلك عليّ، وإنما أريد منهم العبادة على الوجه الذي ذكرنا، لأنهم لم يُنشئوا لأولئك الذين لم تُجعل لهم المكاسب وأسباب الرزق من الدوابّ، بل هي أُنشئت لأجلهم رزقا ومتعة، والله أعلم. ويحتمل أن يكون على الإضمار على ما قال بعضهم: أي قل يا محمد: ما أريد منكم في ما أدعوكم إليه من أجر، ما أريد أن تطعموني، فيَثقُل عليكم الإيمان...

النكت و العيون للماوردي 450 هـ :

ما أريد منهم معونة ولا فضلاً.

التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :

(ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون) معناه نفي الإيهام عن خلقهم لعبادته أن يكون ذلك لفائدة تقع وتعود عليه تعالى، فبين أنه لفائدة النفع العائد على الخلق دونه تعالى لاستحالة النفع عليه ودفع المضار، لأنه غني بنفسه لا يحتاج إلى غيره، وكل الناس محتاجون إليه. ومن زعم أن التأويل ما أريد أن يرزقوا عبادي ولا أن يطعموهم، فقد ترك الظاهر من غير ضرورة.

الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :

يريد: أنّ شأني مع عبادي ليس كشأن السادة مع عبيدهم، فإنّ ملاّك العبيد إنما يملكونهم ليستعينوا بهم في تحصيل معايشهم وأرزاقهم، فإمّا مجهز في تجارة ليفي ربحا، أو مرتب في فلاحة ليعتلّ أرضاً، أو مسلم في حرفة لينتفع بأجرته، أو محتطب، أو محتش، أو طابخ، أو خابز، وما أشبه ذلك من الأعمال والمهن التي هي تصرف في أسباب المعيشة وأبواب الرزق...

المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :

{من رزق} أي أن يرزقوا أنفسهم ولا غيرهم. وقوله: {أن يطعمون} إما أن يكون المعنى أن يطعموا خلقي فأضيف ذلك إلى الضمير على جهة التجوز، وهذا قول ابن عباد. وإما أن يكون الإطعام هنا بمعنى النفع على العموم، كما تقول: أعطيت فلاناً كذا وكذا طعمة، وأنت قد أعطيته عرضاً أو بلداً يحييه، ونحو هذا فكأنه قال: ولا أريد أن ينفعوني، فذكر جزءاً من المنافع وجعله دالاً على الجميع.

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

ولما حصر سبحانه خلقهم في إرادة العبادة، صرح بهذا المفهوم بقوله: {ما أريد منهم} أي في وقت من الأوقات، وعم في النفي بقوله: {من رزق} أي شيء من الأشياء على وجه ينفعني من جلب أو دفع، لأني منزه عن لحاق نفع أو ضر، كما يفعل غيري من الموالي بعبيدهم من الاستكثار بغلاتهم والاستعانة بقواتهم لأني الغني المطلق وكل شيء مفتقر إليّ {وما أريد} أصلاً {أن يطعمون} أي أن- يرزقوني رزقاً خاصاً هو الإطعام، وفيه تعريض بأصنامهم فإنهم كانوا يعملون معها ما ينفعها ويحضرون لها الأكل، فربما أكلتها الكلاب ثم بالت على الأصنام. ثم لا يصدهم ذلك، وهذه الآية دليل على أن الرزق أعم من الأكل، والتعبير بالإرادة دالّ على ما قلت إنه مقصود بالعبادة. وهو الجري تحت الإرادة، تارة بموافقة الشرع وتارة بمخالفته.

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

فالرزق في ذاته مكفول. تكفل به الله تعالى لعباده. وهو لا يطلب إليهم بطبيعة الحال أن يطعموه -سبحانه- أو يرزقوه. حين يكلفهم إنفاق هذا المال لمحتاجيه، والقيام بحق المحرومين فيه: (ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون. إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين).. وإذن لا يكون حافز المؤمن للعمل وبذل الجهد في الخلافة هو الحرص على تحصيل الرزق. بل يكون الحافز هو تحقيق معنى العبادة، الذي يتحقق ببذل أقصى الجهد والطاقة. ومن ثم يصبح قلب الإنسان معلقا بتحقيق معنى العبادة في الجهد، طليقا من التعلق بنتائج الجهد.. وهي مشاعر كريمة لا تنشأ إلا في ظل هذا التصوير الكريم...

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

جملة {ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون} تقرير لمعنى {إلا ليعبدون} بإبطال بعض العلل والغايات التي يقصدها الصانعون شيئاً يصنعونه أو يتخذونه، فإن المعروف في العرف أن من يتخذ شيئاً إنما يتخذه لنفع نفسه، وليست الجملة لإِفادة الجانب المقصور دُونَه بصيغة القصر لأن صيغة القصر لا تحتاج إلى ذكر الضد. ولا يَحسن ذكر الضد في الكلام البليغ.

فقوله: {ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون} كناية عن عدم الاحتياج إليهم لأن أشد الحاجات في العرف حاجة الناس إلى الطعام واللباس والسكن وإنما تحصل بالرزق وهو المال، فلذلك ابتدئ به ثم عطف عليه الإِطعام، أي إعطاء الطعام لأنه أشد ما يحتاج إليه البشر، وقد لا يَجده صاحب المال إذا قحط الناس فيحتاج إلى من يسلفه الطعامَ أو يُطعمه إياه، وفي هذا تعريض بأهل الشرك إذ يُهدون إلى الأصنام الأموال والطعام تتلقاه منهم سدنة الأصنام.

والرزق هنا: المال كقوله تعالى: {فابتغوا عند الله الرزق} [العنكبوت: 17] وقوله: {اللَّه يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر} [الرعد: 26] وقوله: {ومن قدر عليه رزقه فلينفق مما آتاه اللَّه} [الطلاق: 7]، ويطلق الرزق على الطعام كقوله تعالى: {ولهم رزقهم فيها بكرة وعشياً} [مريم: 62] ويمنع من إرادته هنا عطف {وما أريد أن يطعمون}.

تفسير من و حي القرآن لحسين فضل الله 1431 هـ :

لأني الإله الذي خلق الرزق كله، فليس لأحدٍ من الخلق شيء منه إلا من خلال ما يرزقهم منه، ولا معنى للطعام في معنى الله، ولا معنى لأن يطعمه أحد من خلقه. وإذا كانوا يعتبرون الأمر الإلهي بالإنفاق على الآخرين يعني عطاءً لله، فعليهم أن يروا حقيقة ذلك، كأمر يعود إليهم باعتباره تجسيداً لإنسانيتهم مما ترجع فائدته إليهم وإلى الحياة من حولهم...