تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{أَوَلَمۡ يَكۡفِهِمۡ أَنَّآ أَنزَلۡنَا عَلَيۡكَ ٱلۡكِتَٰبَ يُتۡلَىٰ عَلَيۡهِمۡۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَرَحۡمَةٗ وَذِكۡرَىٰ لِقَوۡمٖ يُؤۡمِنُونَ} (51)

ولما كان المقصود بيان الحق ، ذكر تعالى طريقه ، فقال : { أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ } في علمهم بصدقك وصدق ما جئت به { أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ } وهذا كلام مختصر جامع ، فيه من الآيات البينات ، والدلالات الباهرات ، شيء كثير ، فإنه كما تقدم إتيان الرسول به بمجرده وهو أمي ، من أكبر الآيات على صدقه .

ثم عجزهم عن معارضته ، وتحديه إياهم{[629]} آية أخرى ، ثم ظهوره ، وبروزه جهرا علانية ، يتلى عليهم ، ويقال : هو من عند اللّه ، قد أظهره الرسول ، وهو في وقت قلَّ فيه أنصاره ، وكثر مخالفوه وأعداؤه ، فلم يخفه ، ولم يثن ذلك عزمه ، بل صرح به على رءوس الأشهاد ، ونادى به بين الحاضر والباد ، بأن هذا كلام ربي ، فهل أحد يقدر على معارضته ، أو ينطق بمباراته أو يستطيع مجاراته ؟ .

ثم إخباره عن قصص الأولين ، وأنباء السابقين{[630]} والغيوب المتقدمة والمتأخرة ، مع مطابقته للواقع .

ثم هيمنته على الكتب المتقدمة ، وتصحيحه للصحيح ، ونَفْيُ ما أدخل فيها من التحريف والتبديل ، ثم هدايته لسواء السبيل ، في أمره ونهيه ، فما أمر بشيء فقال العقل " ليته لم يأمر به " ولا نهى عن شيء فقال العقل : " ليته لم ينه عنه " بل هو مطابق للعدل والميزان ، والحكمة المعقولة لذوي البصائر والعقول [ ثم مسايرة إرشاداته وهدايته وأحكامه لكل حال وكل زمان بحيث لا تصلح الأمور إلا به ]{[631]}

فجميع ذلك يكفي من أراد تصديق الحق ، وعمل على طلب الحق ، فلا كفى اللّه من لم يكفه القرآن ، ولا شفى اللّه من لم يشفه الفرقان ، ومن اهتدى به واكتفى ، فإنه خير له{[632]} فلذلك قال : { إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ } وذلك لما يحصلون فيه من العلم الكثير ، والخير الغزير ، وتزكية القلوب والأرواح ، وتطهير العقائد ، وتكميل الأخلاق ، والفتوحات الإلهية ، والأسرار الربانية .


[629]:- في ب: وتحديهم إياه.
[630]:- في ب: السالفين.
[631]:- زيادة من هامش: ب.
[632]:- في ب: فإنه رحمة له وخير.
 
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي [إخفاء]  
{أَوَلَمۡ يَكۡفِهِمۡ أَنَّآ أَنزَلۡنَا عَلَيۡكَ ٱلۡكِتَٰبَ يُتۡلَىٰ عَلَيۡهِمۡۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَرَحۡمَةٗ وَذِكۡرَىٰ لِقَوۡمٖ يُؤۡمِنُونَ} (51)

قوله تعالى : " أولم يكفهم أنا أنزلنا عليك الكتاب يتلى عليهم " هذا جواب لقولهم " لولا أنزل عليه آيات من ربه " أي أو لم يكف المشركين من الآيات هذا الكتاب المعجز الذي قد تحديتهم بأن يأتوا بمثله أو بسورة منه فعجزوا ولوا أتيتهم بآيات موسى وعيسى لقالوا : سحر ونحن لا نعرف السحر ، والكلام مقدور لهم ومع ذلك عجزوا عن المعارضة ، وقيل : إن سبب نزول هذه الآيات ما رواه ابن عيينة عن عمرو بن دينار عن يحيى بن جحدة قال : أتي النبي صلى الله عليه وسلم بكتف فيه كتاب فقال ( كفى بقوم ضلالة أن يرغبون عما جاء به نبيهم إلى ما جاء به نبي غير نبيهم أو كتاب غير كتابهم ) فأنزل الله تعالى : " أولم يكفهم أنا أنزلنا عليك الكتاب " أخرجه أبو محمد الدارمي في مسنده ، وذكره أهل التفسير في كتبهم ، وفي مثل هذا قال صلى الله عليه وسلم لعمر رضي الله عنه : ( لو كان موسى بن عمران حيا لما وسعه إلا اتباعي ) وفي مثله قال صلى الله عليه وسلم ( ليس منا من لم يتغن بالقرآن ) أي يستغني به عن غيره ، وهذا تأويل البخاري رحمه الله في الآية ، وإذا كان لقاء ربه بكل حرف عشر حسنات فأكثر على ما ذكرناه في مقدمة الكتاب فالرغبة عنه إلى غيره ضلال وخسران وغبن ونقصان . " إن في ذلك " أي في القرآن " لرحمة " في الدنيا والآخرة وقيل : رحمة في الدنيا باستنفاذهم من الضلالة " وذكرى " لرحمة في الدنيا بإرشادهم به إلى الحق " لقوم يؤمنون " .

 
التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز [إخفاء]  
{أَوَلَمۡ يَكۡفِهِمۡ أَنَّآ أَنزَلۡنَا عَلَيۡكَ ٱلۡكِتَٰبَ يُتۡلَىٰ عَلَيۡهِمۡۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَرَحۡمَةٗ وَذِكۡرَىٰ لِقَوۡمٖ يُؤۡمِنُونَ} (51)

قوله : { أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ } أو لم يكف هؤلاء المشركين المعاندين الذين يسألون الآيات والمعجزات ما أنزلناه عليك من آيات بينات باهرات ، وهو القرآن الكريم . هذا الكتاب المعجز الباهر الذي حوى من الأنباء والأحكام والعلوم والمشاهد والقَصَص وأخبار الدنيا والآخرة ما يدهش اللب ويشدَهُ الحس ويثير العجب في البال والخيال .

أو لم يكفهم هذا الكتاب المجيد الذي جاء حافلا بظواهر شتى من وجوه الإعجاز مما لم يأت على مثله أو هيئته في تاريخ العالمين كتاب .

لا جرم أن معجزة القرآن تفوق كل المعجزات ، وفيها من الأدلة القواطع على نبوة رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم ، وعلى صدق هذا الكتاب وأنه منزل من عند الله .

قوله : { إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ } المراد باسم الإشارة : القرآن ، فإنه فيه رحمة للبشرية في الدنيا ؛ إذ يخرجهم من ظلمات الشر والباطل والمرض بكل صوره وأسمائه إلى نور الحق والعدل والمودة والمساواة . وهو كذلك رحمة لهم في الآخرة ؛ فإنه منجاة لهم من ويلات يوم القيامة وأهوالها وشدائدها . وكذلك فإن القرآن ذكرى { لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ } أي تذكرة لهم ، باقية على مرّ الزمن فيتعظون بها ويتدبرون ما فيها من جليل المعاني والأحكام والعبر .