تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَٱلَّذِينَ هُمۡ لِلزَّكَوٰةِ فَٰعِلُونَ} (4)

{ وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ } أي مؤدون لزكاة أموالهم ، على اختلاف أجناس الأموال ، مزكين لأنفسهم من أدناس الأخلاق ومساوئ الأعمال التي تزكو النفس بتركها وتجنبها ، فأحسنوا في عبادة الخالق ، في الخشوع في الصلاة ، وأحسنوا إلى خلقه بأداء الزكاة .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَٱلَّذِينَ هُمۡ لِلزَّكَوٰةِ فَٰعِلُونَ} (4)

2

( والذين هم للزكاة فاعلون ) . . بعد إقبالهم على الله ، وانصرافهم عن اللغو في الحياة . . والزكاة طهارة للقلب والمال : طهارة للقلب من الشح ، واستعلاء على حب الذات ، وانتصار على وسوسة الشيطان بالفقر ، وثقة بما عند الله من العوض والجزاء . وطهارة للمال تجعل ما بقي منه بعدها طيبا حلالا ، لا يتعلق به حق - إلا في حالات الضرورة - ولا تحوم حوله شبهة . وهي صيانة للجماعة من الخلل الذي ينشئه العوز في جانب والترف في جانب ، فهي تأمين اجتماعي للأفراد جميعا ، وهي ضمان اجتماعي للعاجزين ، وهي وقاية للجماعة كلها من التفكك والانحلال .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَٱلَّذِينَ هُمۡ لِلزَّكَوٰةِ فَٰعِلُونَ} (4)

وقوله : { وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ } : الأكثرون على أن المراد بالزكاة هاهنا زكاة الأموال ، مع أن هذه [ الآية ]{[20462]} مكية ، وإنما فرضت الزكاة بالمدينة في سنة اثنتين من الهجرة . والظاهر أن التي فرضت بالمدينة إنما هي ذات النَّصَب والمقادير الخاصة ، وإلا فالظاهر أن أصل الزكاة كان واجبًا بمكة ، كما قال تعالى في سورة الأنعام ، وهي مكية : { وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ } [ الأنعام : 141 ] .

وقد يحتمل أن يكون المراد بالزكاة هاهنا : زكاة النفس من الشرك والدنس ، كقوله : { قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا . وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا } [ الشمس : 9 ، 10 ] ، وكقوله : { وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ . الَّذِينَ لا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ } [ فصلت : 6 ، 7 ] ، على أحد القولين في تفسيرها .

وقد يحتمل أن يكون كلا الأمرين مرادا ، وهو زكاة النفوس وزكاة الأموال ؛ فإنه من جملة زكاة النفوس ، والمؤمن الكامل هو الذي يتعاطى هذا وهذا ، والله أعلم .


[20462]:- زيادة من ف ، أ.
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَٱلَّذِينَ هُمۡ لِلزَّكَوٰةِ فَٰعِلُونَ} (4)

أصل الزكاة أنها اسم مصدر ( زكَّى ) المشدّد ، إذا طهَّرَ النفس من المذمات . ثم أطلقت على إنفاق المال لوجه الله مجازاً لأن القصد من ذلك المال تزكية النفس أو لأن ذلك يزيد في مال المعطي . فأطلق اسم المُسَبَّب على السبب . وأصله قوله تعالى : { خُذْ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها } [ التوبة : 103 ] ، وأطلقت على نفس المال المنفَق من إطلاق اسم المصدر على المفعول لأنه حاصل به وهو المتعين هنا بقرينة تعليقه ب { فاعلون } المقتضي أن الزكاة مفعول . وأما المصدر فلا يكون مفعولاً به لفعل من مادة ( ف . ع . ل ) لأن صوغ الفعل من مادة ذلك المصدر يغني عن الإتيان بفعل مبْهم ونصببِ مصدره على المفعوليَّة به . فلو قال أحد : فعلت مشياً ، إذا أراد أن يقول : مَشَيْتُ ، كان خارجاً عن تركيب العربية ولو كان مفيداً ، ولو قال أحد : فعلت ممَّا تريده ، لصح التركيب قال تعالى : { مَن فعلَ هذا بآلهتنا } [ الأنبياء : 59 ] ، أي هذا المشاهَد من الكَسْر والحطم ، أي هذا الحاصل بالمصدر . وليس المراد المصدر لأنه لا يشار إليه ولا سيما بعد غَيْبَةِ فاعله .

والمراد بالفعل هنا الفعل المناسب لهذا المفعول وهو الإيتاء ، فهو كقوله { ويؤتون الزكاة } [ المائدة : 55 ] فلا حاجة إلى تقدير أداء الزكاة .

وإنما أوثر هنا الاسم الأعمّ وهو { فاعلون } لأن مادة ( ف ع ل ) مشتهرة في إسداء المعروف ، واشتق منها الفَعال بفتح الفاء ، قال محمد بن بشير الخارجي :

إن تنفق المال أو تكلَفْ مساعيَه *** يَشْقُقْ عليك وتفعل دون ما فعلا

وعلى هذا الاعتبار جاء ما نسب إلى أمية بن أبي الصلت :

المطعمون الطعام في السَّنَة الأز *** مة والفاعلون للزكوات

أنشده في « الكشاف » . وفي نفسي من صحة نسبته تردد لأني أحسب استعمال الزكاة في معنى المال المبذول لوجه الله إلاّ من مصطلحات القرآن ، فلعل البيت مما نحل من الشعر على ألسنة الشعراء . قال ابن قتيبة في كتاب « الشعر والشعراء » « وعلماؤنا لا يرون شعر أمية حجة على الكتاب » .

واللام على هذا الوجه لام التقوية لضعف العامل بالفرعيَّة وبالتأخير عن معموله .

وقال أبو مسلم والراغب : اللام للتعليل وجعلا الزكاة تزكية النفس . ومعنى { فاعلون } فاعلون الأفعال الصالحات فحذف معمول { فاعلون } بدلالة علته عليه .

وفي « الكشاف » أن الزكاة هنا مصدر وهو فعل المزكي ، أي إعطاء الزكاة وهو الذي يحسن أن يتعلق ب { فاعلون } لأنه ما من مصدر إلاّ ويعبر عن معناه بمادة فَعَلَ فيقال للضارب : فَاعل الضرب ، وللقاتل : فاعل القتل . وإنما حاول بذلك إقامة تفسير الآية فغلَّب جانب الصناعة اللفظية على جانب المعنى وجوّز الوجه الآخر على شرط تقدير مضاف ، وكلا الاعتبارين غير ملتزَم .

وعقب ذكر الصلاة بذكر الزكاة لكثرة التآخي بينهما في آيات القرآن ، وإنما فصل بينهما هنا بالإعراض عن اللغو للمناسبة التي سمعتَ آنفاً .

وهذا من آداب المعاملة مع طبقة أهل الخصاصة وهي ترجع إلى آداب التصرف في المال . والقول في إعادة الموصول وتقديم المعمول كما تقدم آنفاً .