اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{وَٱلَّذِينَ هُمۡ لِلزَّكَوٰةِ فَٰعِلُونَ} (4)

قوله : { والذين هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ } اللام في قوله : «لِلزَّكَاةِ » مزيدة في المفعول لتقدمه على عامله{[32146]} ، ولكونه فرعاً{[32147]} . والزكاة في الأصل مصدر ، ويطلق على القدر المُخْرَج من الأعيان ، وقال الزمخشري : اسم مشترك بين عين ومعنًى ، فالعين القدر الذي يخرجه المزكي من النصاب ، والمعنى فعل المزكي ، وهو الذي أراده الله فجعل المزكين فاعلين له ، ولا يسوغ فيه غيره ، لأنه ما من مصدر إلا يعبر عنه بالفعل ، ويقال لمحدثه فاعل ، تقول للضارب : فاعل الضرب ، وللقاتل : فاعل القتل ، وللمزكي : فاعل التزكية ، وعلى هذا الكلام كله ، والتحقيق في هذا أنك تقول في جميع الحوادث : ( من فعل هذا ) فيقال لك : فاعله الله أو بعض الخلق ، ولم يمتنع الزكاة الدالة على العين أن يتعلق بها ( فاعلون ){[32148]} لخروجها من صحة أن يتناولها الفاعل ، ولكن لأنّ الخلق ليسوا بفاعليها ، وقد أنشدوا لأمية بن أبي الصلت :

المطعمُون الطَّعام في السنة ال *** أَزْمة والفاعلون للزكوات{[32149]}

ويجوز أن يراد بالزكاة العين ، ويقدر مضاف محذوف ، وهو الأداء ، وحمل البيت على هذا أصح{[32150]} ، لأنها فيه مجموعة{[32151]} . قال شهاب الدين : إنما أحوج أبا القاسم إلى هذا أن بعضهم زعم أنه يتعين أنْ يكون الزكاة هنا المصدر ؛ لأنه لو أراد العين لقال : مؤدون ولم يقل : فاعلون ، فقال الزمخشري : لم يمتنع ذلك لعدم صحة تناول فاعلون{[32152]} لها بل لأنّ الخلق ليسوا بفاعليها ، وإنما جعل الزكوات في بيت أمية أعياناً لجمعها ، لأنّ المصدر لا يجمع{[32153]} ، وناقشه أبو حيان وقال : يجوز أن يكون مصدراً وإنما جمع لاختلاف أنواعه{[32154]} . وقال أبو مسلم : إنّ فعل الزكاة يقع على كل فعل محمود مرضي ، كقوله : { قَدْ{[32155]} أَفْلَحَ مَن تزكى }{[32156]} [ الأعلى : 14 ] ، وقوله : { فَلاَ تزكوا أَنفُسَكُمْ }{[32157]} [ النجم : 32 ] ومن جملتهم ما يخرج من حق المال ، وإنما سمي بذلك ؛ لأنها تطهر من الذنوب ، لقوله تعالى : { تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا }{[32158]} [ التوبة : 103 ] . وقال الأكثرون : المراد بها هنا : الحق الواجب في الأموال خاصة ؛ لأنّ هذه اللفظة قد اختصت في الشرع بهذا المعنى{[32159]} . فإنْ قيل : إن الله تعالى لم يفصل بين الصلاة والزكاة فَلِمَ{[32160]} فصل هنا بينهما بقوله : { والذين هُمْ عَنِ اللغو مُّعْرِضُونَ } ؟ فالجواب : لأنّ ترك اللغو من متمات{[32161]} الصلاة{[32162]} .


[32146]:في الأصل: حاله. وهو تحريف.
[32147]:البحر المحيط 6/395.
[32148]:ما بين القوسين تكملة من الكشاف.
[32149]:البيت من بحر المنسوخ قاله أمية بن أبي الصلت، وهو في ديوانه (20)، القرطبي 12/105، البحر المحيط 6/396، شرح شواهد الكشاف (20).
[32150]:في ب: لا يصح، وهو تحريف.
[32151]:الكشاف 3/43.
[32152]:في الأصل: فاعل.
[32153]:انظر نص الزمخشري السابق.
[32154]:الدر المصون 5/83.
[32155]:في ب: وقد. وهو تحريف.
[32156]:[الأعلى: 14].
[32157]:من قوله تعالى: {فلا تزكوا أنفسكم هو أعلى بمن اتقى} [النجم: 32].
[32158]:من قوله تعالى: {خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها وصل عليهم} [التوبة: 103]. انظر الفخر الرازي 23/ 80 – 81.
[32159]:انظر الفخر الرازي 23/81.
[32160]:في الأصل: فلا. وهو تحريف.
[32161]:في ب: مهمات.
[32162]:انظر الفخر الرازي 23/81.