تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَكَمۡ قَصَمۡنَا مِن قَرۡيَةٖ كَانَتۡ ظَالِمَةٗ وَأَنشَأۡنَا بَعۡدَهَا قَوۡمًا ءَاخَرِينَ} (11)

{ 11 - 15 ْ } { وَكَمْ قَصَمْنَا مِنْ قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً وَأَنْشَأْنَا بَعْدَهَا قَوْمًا آخَرِينَ * فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنَا إِذَا هُمْ مِنْهَا يَرْكُضُونَ * لَا تَرْكُضُوا وَارْجِعُوا إِلَى مَا أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَمَسَاكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْأَلُونَ * قَالُوا يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ * فَمَا زَالَتْ تِلْكَ دَعْوَاهُمْ حَتَّى جَعَلْنَاهُمْ حَصِيدًا خَامِدِينَ ْ }

يقول تعالى - محذرا لهؤلاء الظالمين ، المكذبين للرسول ، بما فعل بالأمم المكذبة لغيره من الرسل - { وَكَمْ قَصَمْنَا ْ } أي : أهلكنا بعذاب مستأصل { مِنْ قَرْيَةٍ ْ } تلفت عن آخرها { وَأَنْشَأْنَا بَعْدَهَا قَوْمًا آخَرِينَ ْ }

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَكَمۡ قَصَمۡنَا مِن قَرۡيَةٖ كَانَتۡ ظَالِمَةٗ وَأَنشَأۡنَا بَعۡدَهَا قَوۡمًا ءَاخَرِينَ} (11)

ولقد كانت رحمة بهم أن ينزل الله لهم هذا القرآن . ولا يأتيهم بالخارقة التي يطلبونها . فلا يأخذهم وفق سنته بالفاصمة كالقرى التي كذبت فاستأصلت . . وهنا يعرض مشهدا حيا من القصم والاستئصال :

( وكم قصمنا من قرية كانت ظالمة وأنشأنا بعدها قوما آخرين . فلما أحسوا بأسنا إذا هم منها يركضون . لا تركضوا وارجعوا إلى ما أترفتم فيه ومساكنكم لعلكم تسألون . . قالوا : يا ويلنا إنا كنا ظالمين . فما زالت تلك دعواهم حتى جعلناهم حصيدا خامدين ) . .

والقصم أشد حركات القطع . وجرسها اللفظي يصور معناها ، ويلقي ظل الشدة والعنف والتحطيم والقضاء الحاسم على القرى التي كانت ظالمة . فإذا هي مدمرة محطمة . . ( وأنشأنا بعدها قوما آخرين ) .

وهو عند القصم يوقع الفعل على القرى ليشمل ما فيها ومن فيها . وعند الإنشاء يوقع الفعل على القوم الذين ينشأون ويعيدون إنشاء القرى . . وهذه حقيقة في ذاتها .

فالدمار يحل بالديار والديار . والإنشاء يبدأ بالديارين فيعيدون إنشاء الدور . . ولكن عرض هذه الحقيقة في هذه الصورة يضخم عملية القصم والتدمير ، وهذا هو الظل المراد إلقاؤه بالتعبير على طريقة التصوير !

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَكَمۡ قَصَمۡنَا مِن قَرۡيَةٖ كَانَتۡ ظَالِمَةٗ وَأَنشَأۡنَا بَعۡدَهَا قَوۡمًا ءَاخَرِينَ} (11)

وقوله : { وَكَمْ قَصَمْنَا مِنْ قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً } هذه صيغة تكثير ، كما قال { وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنَ الْقُرُونِ مِنْ بَعْدِ نُوحٍ } [ الإسراء : 17 ] .

وقال تعالى : { فَكَأَيِّنْ{[19599]} مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ فَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَشِيدٍ } [ الحج : 45 ] . وقوله : { وَأَنْشَأْنَا بَعْدَهَا قَوْمًا آخَرِينَ } أي : أمة أخرى بعدهم .


[19599]:- في ف : "وكأين".
 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَكَمۡ قَصَمۡنَا مِن قَرۡيَةٖ كَانَتۡ ظَالِمَةٗ وَأَنشَأۡنَا بَعۡدَهَا قَوۡمًا ءَاخَرِينَ} (11)

{ وكم قصمنا من قرية } واردة عن غضب عظيم لأن القصم كسر يبين تلاؤم الأجزاء بخلاف الفصم . { كانت ظالمة } صفة لأهلها وصفت بها لما أقيمت مقامه . { وأنشأنا بعدها } بعد إهلاك أهلها { قوما آخرين } مكانهم .

 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{وَكَمۡ قَصَمۡنَا مِن قَرۡيَةٖ كَانَتۡ ظَالِمَةٗ وَأَنشَأۡنَا بَعۡدَهَا قَوۡمًا ءَاخَرِينَ} (11)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

{وكم قصمنا من قرية} يعني: أهلكنا من قرية بالعذاب في الدنيا قبل أهل مكة. {كانت ظالمة وأنشأنا بعدها} يقول: وجعلنا بعد هلاك الأمم الخالية {قوما آخرين}.

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

يقول تعالى ذكره: وكثيرا قصمنا من قرية. والقصم: أصله الكسر، يقال منه: قصمت ظهر فلان إذا كسرته، وانْقَصَمَتْ سِنّه: إذا انكسرت. وهو ههنا معنيّ به أهلكنا...

وقوله:"مِنْ قَرْيَةٍ كانَتْ ظالِمَةً" أجرى الكلام على القرية، والمراد بها أهلها لمعرفة السامعين بمعناه. وكأن ظُلْمَها كُفْرُها بالله وتكذيبُها رسله.

وقوله: "وأنْشأْنا بَعْدَهَا قَوْما آخَرِينَ "يقول تعالى ذكره: وأحدثنا بعد ما أهلكنا هؤلاء الظلمة من أهل هذه القرية التي قصمناها بظلمها قوما آخرين سواهم.

تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :

يخوف أهل مكة بتكذيبهم محمدا ما نزل بأولئك بتكذيبهم الرسل...

الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :

{وَكَمْ قَصَمْنَا مِن قَرْيَةٍ} واردة عن غضب شديد ومنادية على سخط عظيم؛ لأنّ القصم أفظع الكسر، وهو الكسر الذي يبين تلاؤم الأجزاء، بخلاف الفصم...

وقال: {قَوْماً ءاخَرِينَ} لأن المعنى: أهلكنا قوماً وأنشأنا قوماً آخرين.

مفاتيح الغيب للرازي 606 هـ :

اعلم أنه تعالى لما حكى عنهم تلك الاعتراضات وكانت تلك الاعتراضات ظاهرة السقوط؛ لأن شرائط الإعجاز لما تمت في القرآن ظهر حينئذ لكل عاقل كونه معجزا، وعند ذلك ظهر أن اشتغالهم بإيراد تلك الاعتراضات كان لأجل حب الدنيا وحب الرياسة فيها، فبالغ سبحانه في زجرهم عن ذلك فقال: {وكم قصمنا من قرية}.

الجامع لأحكام القرآن للقرطبي 671 هـ :

" كانت ظالمة "أي كافرة، يعني أهلها.

التسهيل لعلوم التنزيل، لابن جزي 741 هـ :

وظاهر اللفظ أنه على العموم؛ لأن كم للتكثير، فلا يريد قرية معينة.

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

ولما كان التقدير: فإن عدلتم بقبوله شرفناكم، وإن ظلمتم برده عناداً أهلكناكم كما أهلكنا من كان قبلكم، عطف عليه قوله: {وكم قصمنا} أي بعظمتنا {من قرية} جعلناها كالشيء اليابس الذي كسر فتباينت أجزاؤه، والإناء الذي فت فانكب ماؤه؛ وأشار بالقصم الذي هو أفظع الكسر إلى أنها كانت باجتماع الكلمة وشدة الشكيمة كالحجر الرخام في الصلابة والقوة، و "كم "في هذا السياق يقتضي الكثرة، ثم علل إهلاكها وانتقالها بقوله: {كانت ظالمة} ثم بين الغنى عنها بقوله: {وأنشأنا} أي بعظمتنا.

ولما كان الدهر لم يخل قط بعد آدم من إنشاء وإفناء، فكان المراد أن الإنشاء بعد الإهلاك يستغرق الزمان على التعاقب، بياناً لأن المهلكين ضروا أنفسهم من غير افتقار إليهم، اسقط الجار فقال: {بعدها قوماً} أي أقوياء، وحقق أنهم لا قرابة قريبة بينهم بقوله: {ءاخرين}.

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

والقصم أشد حركات القطع. وجرسها اللفظي يصور معناها، ويلقي ظل الشدة والعنف والتحطيم والقضاء الحاسم على القرى التي كانت ظالمة. فإذا هي مدمرة محطمة. وهو عند القصم يوقع الفعل على القرى ليشمل ما فيها ومن فيها. وعند الإنشاء يوقع الفعل على القوم الذين ينشؤون ويعيدون إنشاء القرى. وهذه حقيقة في ذاتها. فالدمار يحل بالديار والدَّيّار. والإنشاء يبدأ بالدَّيّارين فيعيدون إنشاء الدور. ولكن عرض هذه الحقيقة في هذه الصورة يضخم عملية القصم والتدمير، وهذا هو الظل المراد إلقاؤه بالتعبير على طريقة التصوير!

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

ومناسبة موقعها أنه بعد أن أخبر أنه صَدَق رُسُلَه وعْدَه، وهو خبر يفيد ابتداءً التنويه بشأن الرسل ونصرَهم، وبشأن الذين آمنوا بهم. وفيه تعريض بنصر محمد صلى الله عليه وسلم وذكر إهلاك المكذبين له تبعاً لذلك، فأعقب ذلك بذكر إهلاك أمم كثيرة من الظالمين، ووصفِ ما حل بهم؛ ليكون ذلك مقصوداً بذاته ابتداءً اهتماماً به ليَقرع أسماعهم، فهو تعريض بإنذار المشركين بالانقراض بقاعدة قياس المساواة، وأن الله يُنشئ بعدهم أُمّة مؤمنة كقوله تعالى {إن يشأ يذهبكم ويأت بخلق جديد} في سورة [إبراهيم: 19]