إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{وَكَمۡ قَصَمۡنَا مِن قَرۡيَةٖ كَانَتۡ ظَالِمَةٗ وَأَنشَأۡنَا بَعۡدَهَا قَوۡمًا ءَاخَرِينَ} (11)

وقوله تعالى : { وَكَمْ قَصَمْنَا مِن قَرْيَةٍ } نوعُ تفصيل لإجمالِ قوله تعالى : { وَأَهْلَكْنَا المسرفين } وبيانٌ لكيفية إهلاكِهم وسببِه وتنبيهٌ على كثرتهم ، وكم خبريةٌ مفيدةٌ للتكثير محلُّها النصبُ على أنها مفعولٌ لقصمنا ومن قرية تمييزٌ ، وفي لفظ القصْمِ الذي هو عبارةٌ عن الكسر بإبانة أجزاءِ المكسور وإزالةِ تأليفها بالكلية من الدِلالة على قوة الغضبِ وشدة السُّخط ما لا يخفى وقوله تعالى : { كَانَتْ ظالمة } في محل الجرِّ على أنها صفةٌ لقرية بتقدير مضافٍ ينبئ عنه الضميرُ الآتي ، أي وكثيراً قصمنا من أهل قريةٍ كانوا ظالمين بآيات الله تعالى كافرين بها كدأْبكم { وَأَنشَأْنَا بَعْدَهَا } أي بعد إهلاكها { قَوْماً آخَرِينَ } أي ليسوا منهم نسباً ولا ديناً ، ففيه تنبيهٌ على استئصال الأولين وقطعِ دابرهم بالكلية وهو السرُّ في تقديم حكاية إنشاءِ هؤلاء على حكاية مبادي إهلاكِ أولئك بقوله تعالى : { فَلَمَّا أَحَسُّواْ بَأْسَنَا إذا هم منها يركضون } .