اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{وَكَمۡ قَصَمۡنَا مِن قَرۡيَةٖ كَانَتۡ ظَالِمَةٗ وَأَنشَأۡنَا بَعۡدَهَا قَوۡمًا ءَاخَرِينَ} (11)

قوله : «وَكَمْ قَصَمْنَا » «كَمْ » في محل نصب مفعولاً مقدماً ب «قَصَمْنَا »{[27895]} و «مِنْ قَرْيَةٍ » تمييز ، والظاهر أن «كَمْ » هنا خبرية ، لأنها تفيد التكثير . والقصم : القطع وهو الكسر الذي يبين تلازم الأجزاء{[27896]} بخلاف الفصم{[27897]} .

قوله : «كَانَتْ ظَالِمَةٌ » في محل جر صفة ل «قَرْيَةٍ » ، ولا بد من مضاف محذوف قبل «قَرْيَةٍ » أي : وكم قصمنا من أهل قرية بدليل عود الضمير في قوله : «فَلَمَّا أَحَسُّوا » ولا يجوز أن يعود على قوله «قوماً » لأنه لم يذكر لهم ما يقتضي ذلك{[27898]} .

فصل

لما حكى عنهم تلك الاعتراضات الساقطة ، لكونها في مقابلة ما ثبت إعجازه ، وهو القرآن ظهر لكل عاقل أن اعتراضهم كان لأجل حب الرياسة والدنيا .

والمراد بقوله : «قصمنا » أهلكنا . قال ابن عباس : المراد منه القتل بالسيوف ، والمراد بالقرية : حضور وسحول باليمن ينسب إليهما{[27899]} الثياب ، وفي الحديث : «كفن{[27900]} رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في ثوبين سحولين » ، وروي «حضوريين » بعث الله إليهما نبياً فقتلوه فسلط الله عليهم بختنصر كما سلطه على أهل بيت المقدس فاستأصلهم .

وروي «أنه لما أخذتهم السيوف ناداه مناد من السماء يا لثارات الأنبياء » فندموا واعترفوا بالخطأ ، و { قَالُواْ يا ويلنآ إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ }{[27901]} {[27902]} .

وقال الحسن : المراد عذاب الاستئصال . وهذا أقرب ، أن إضافة ذلك إلى الله أقرب من إضافته{[27903]} إلى القائل ، ثم بتقدير أن يحمل ذلك على عذاب القتل فما الدليل على الحصر في القريتين اللتين ذكرهما ابن عباس{[27904]} .

وقوله : «كَانَتْ ظَالِمَةٌ » أي كافرة ، يعني أهلها «وَأَنْشَأْنَا بَعْدَهَا » أي : أحدثنا بعد علاك أهلها «قَوْمَاً آخَرِينَ »{[27905]} .


[27895]:انظر معاني القرآن وإعرابه للزجاج 3/386، التبيان 2/913.
[27896]:في ب: لازم الأمر.
[27897]:الفصم: هو أن يتصدع الشيء من غير أن يبين. اللسان (فصم).
[27898]:انظر البحر المحيط 6/300.
[27899]:إليهما: سقط من ب.
[27900]:في ب: نسي. وهو تحريف.
[27901]:انظر الكشاف 3/4-5، الفخر الرازي 22/146، الكافي الشاف في تخريج أحاديث الكشاف (110).
[27902]:[الأنبياء: 14].
[27903]:في ب: إضافة.
[27904]:انظر الفخر الرازي 22/146.
[27905]:انظر البغوي 5/477.