تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَإِلَى ٱلۡأَرۡضِ كَيۡفَ سُطِحَتۡ} (20)

{ وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ } أي : مدت مدًا واسعًا ، وسهلت غاية التسهيل ، ليستقر الخلائق{[1419]}  على ظهرها ، ويتمكنوا من حرثها وغراسها ، والبنيان فيها ، وسلوك الطرق الموصلة{[1420]}  إلى أنواع المقاصد فيها .

واعلم أن تسطيحها لا ينافي أنها كرة مستديرة ، قد أحاطت الأفلاك فيها من جميع جوانبها ، كما دل على ذلك النقل والعقل والحس والمشاهدة ، كما هو مذكور معروف عند أكثر{[1421]}  الناس ، خصوصًا في هذه الأزمنة ، التي وقف الناس على أكثر أرجائها بما أعطاهم الله من الأسباب المقربة للبعيد ، فإن التسطيح إنما ينافي كروية الجسم الصغير جدًا ، الذي لو سطح لم يبق له استدارة تذكر .

وأما جسم الأرض الذي هو في غاية الكبر والسعة{[1422]} ، فيكون كرويًا مسطحًا ، ولا يتنافى الأمران ، كما يعرف ذلك أرباب الخبرة .


[1419]:- في ب: العباد.
[1420]:- في ب: طرقها.
[1421]:- في ب: كثير.
[1422]:- في ب: الذي هو كبير جدًا واسع.
 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَإِلَى ٱلۡأَرۡضِ كَيۡفَ سُطِحَتۡ} (20)

( وإلى الأرض كيف سطحت ? ) . . والأرض مسطوحة أمام النظر ، ممهدة للحياة والسير والعمل ، والناس لم يسطحوها كذلك . فقد سطحت قبل أن يكونوا هم . . أفلا ينظرون إليها ويتدبرون ما وراءها ، ويسألون : من سطحها ومهدها هكذا للحياة تمهيدا ?

إن هذه المشاهد لتوحي إلى القلب شيئا . بمجرد النظر الواعي والتأمل الصاحي . وهذا القدر يكفي لاستجاشة الوجدان واستحياء القلب . وتحرك الروح نحو الخالق المبدع لهذه الخلائق .

ونقف وقفة قصيرة أمام جمال التناسق التصويري لمجموعة المشهد الكوني لنرى كيف يخاطب القرآن الوجدان الديني بلغة الجمال الفني ، وكيف يعتنقان في حس المؤمن الشاعر بجمال الوجود . .

إن المشهد الكلي يضم مشهد السماء المرفوعة والأرض المبسوطة . وفي هذا المدى المتطاول تبرز الجبال " منصوبة " السنان لا راسية ولا ملقاة ، وتبرز الجمال منصوبة السنام . . خطان أفقيان وخطان رأسيان في المشهد الهائل في المساحة الشاسعة . ولكنها لوحة متناسقة الأبعاد والاتجاهات ! على طريقة القرآن في عرض المشاهد ، وفي التعبير بالتصوير على وجه الإجمال .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَإِلَى ٱلۡأَرۡضِ كَيۡفَ سُطِحَتۡ} (20)

{ وَإِلَى الأرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ } ؟ أي : كيف بسطت ومدت ومهدت ، فنبَّه البدوي على الاستدلال بما يشاهده من بعيره الذي هو راكب عليه ، والسماء التي فوق رأسه ، والجبل الذي تجاهه ، والأرض التي تحته - على قدرة خالق ذلك وصانعه ، وأنه الرب العظيم الخالق المتصرف المالك ، وأنه الإله الذي لا يستحق العبادة سواه . وهكذا أقسم " ضِمَام " في سؤاله على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، كما رواه الإمام أحمد حيث قال :

حدثنا هاشم بن القاسم ، حدثنا سليمان بن المغيرة ، عن ثابت ، عن أنس قال : كنا نهينا أن نسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن شيء ، فكان يعجبنا أن يجيء الرجل من أهل البادية العاقل فيسأله ونحن نسمع ، فجاء رجل من أهل البادية فقال : يا محمد ، إنه أتانا رسولُك فزعَم لنا أنك تَزعُم أن الله أرسلك . قال : " صدق " . قال : فمن خلق السماء ؟ قال : " الله " . قال : فمن خلق الأرض ؟ قال : " الله " . قال : فمن نصب هذه الجبال وجعل فيها ما جعل ؟ قال : " الله " . قال : فبالذي خلق السماء والأرض ونصب هذه الجبال ، آللهُ أرسلك ؟ قال : " نعم " . قال : وزعم رسولُك أن علينا خمس صلوات في يومنا وليلتنا . قال : " صدق " . قال : فبالذي أرسلك ، آلله أمرك بهذا ؟

قال : " نعم " . قال : وزعم رسولك أن علينا زكاة في أموالنا ؟ قال : " صدق " . قال : فبالذي أرسلك ، آلله أمرك بهذا ؟ . قال : " نعم " . قال : وزعم رسولك أن علينا حَجّ البيت من استطاع إليه سبيلا . قال : " صدق " . قال : ثم ولى فقال : والذي بعثك بالحق لا أزيد عليهن ولا أنقص منهن شيئا . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " إن صدق ليدخُلَنّ الجنة " .

وقد رواه مسلم ، عن عمرو الناقد ، عن أبي النضر هاشم بن القاسم ، به{[30002]} وعَلّقه البخاري ، ورواه الترمذي والنسائي ، من حديث سليمان بن المغيرة به{[30003]} ورواه الإمام أحمد والبخاري وأبو داود والنسائي وابن ماجة من حديث الليث بن سعد ، عن سعيد المقبري ، عن شريك ابن عبد الله بن أبي نمر ، عن أنس ، به بطوله{[30004]} وقال في آخره : " وأنا ضمام بن ثعلبة أخو بني سعد بن بكر " .

وقال الحافظ أبو يعلى : حدثنا إسحاق ، حدثنا عبد الله بن جعفر ، حدثني عبد الله بن دينار عن ابن عمر قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم كثيرًا ما كان يحدث عن امرأة في الجاهلية على رأس جبل ، معها ابن لها ترعى غنما ، فقال لها ابنها : يا أمه ، من خلقك ؟ قالت : الله . قال : فمن خلق أبي ؟ قالت : الله . قال : فمن خلقني ؟ قالت : الله . قال : فمن خلق السماء ؟ قالت : الله . قال : فمن خلق الأرض ؟ قالت : الله . قال : فمن خلق الجبل ؟ قالت : الله . قال : فمن خلق هذه الغنم ؟ قالت : الله . قال : إني لأسمع لله شأنا . وألقى نفسه من الجبل فتقطع .

قال ابن عمر : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم كثيرًا ما يحدثنا هذا .

قال ابن دينار : كان ابن عمر كثيرًا ما يحدثنا بهذا{[30005]} .

في إسناده ضعف ، وعبد الله بن جعفر هذا هو المديني ، ضَعّفه ولده الإمام علي بن المديني وغيره .


[30002]:- (1) المسند (3/143) وصحيح مسلم برقم (12).
[30003]:- (2) صحيح البخاري (1/148) "فتح" وسنن الترمذي برقم (619) وسنن النسائي الكبرى برقم (2401).
[30004]:- (3) المسند (3/168) وصحيح البخاري برقم (63) وسنن أبي داود برقم (486) وسنن النسائي الكبرى برقم (2402) وسنن ابن ماجة برقم (1402).
[30005]:- (4) ورواه ابن عدي في الكامل (4/178) عن أبي يعلى به مثله. وقال: "غير محفوظ، لا يحدث به عن ابن دينار غير عبد الله بن جعفر".
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَإِلَى ٱلۡأَرۡضِ كَيۡفَ سُطِحَتۡ} (20)

وقوله : وَإلى الأرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ يقول : وإلى الأرض كيف بُسطت ، يقال : جبل مُسَطّح : إذا كان في أعلاه استواء . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة وَإلى الأرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ : أي بُسطت ، يقول : أليس الذي خلق هذا بقادر على أن يخلق ما أراد في الجنة .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَإِلَى ٱلۡأَرۡضِ كَيۡفَ سُطِحَتۡ} (20)

وثم نُزِل بأنظارهم إلى الأرض وهي تحت أقدامهم وهي مرعاهم ومفترشهم ، وقد سَطَحها الله ، أي خلقها ممهدة للمشي والجلوس والاضطجاع . ومعنى { سُطحت } : سُويت يقال : سَطَح الشيء إذا سوّاه ومنه سَطْح الدار .

والمراد بالأرض أرض كل قوم لا مجموع الكرة الأرضية .

وبُنيت الأفعال الأربعة إلى المجهول للعلم بفاعل ذلك .