محاسن التأويل للقاسمي - القاسمي  
{وَإِلَى ٱلۡأَرۡضِ كَيۡفَ سُطِحَتۡ} (20)

{ وإلى الأرض } أي التي يضربون فيها وينقلبون عليها { كيف سطحت } أي بسطت ومهدت حسبما يقتضيه صلاح أمور ما عليها من الخلائق .

قال الزمخشري والمعنى أفلا ينظرون إلى هذه المخلوقات الشاهدة على قدرة الخالق حتى لا ينكروا اقتداره على البعث فيسمعوا إنذار الرسول صلى الله عليه وسلم ويؤمنوا به ويستعدوا للقائه .

لطيفة : ذكر السكاكي في ( المفتاح ) في بحث الجامع الخيالي أن جمعه على مجرى الإلف والعادة بحسب ما تنعقد الأسباب في استيداع الصور خزانة الخيال وأنه إذا لم يوفه حقه من التيقظ وأنه من أهل المدر أنى يستحلي كلام رب العزة من أهل الوبر حيث يبصرهم الدلائل ناسقا ذلك النسق { أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت } الآيات ، لبعد البعير عن خياله في مقام النظر ثم لبعده في خياله عن السماء وبعد خلقه عن رفعها وكذا البواقي لكن إذا وفاه حقه يتيقظه لما عليه تقلبهم في حاجاتهم جاء الاستجلاء وذلك إذا نظر أن أهل الوبر إذا كان مطعمهم ومشربهم وملبسهم من المواشي كانت عنايتهم مصروفة لا محالة إلى أكثرها نفعا وهي الإبل ثم إذا كان انتفاعهم بها لا يتحصل إلا بأن ترعى وتشرب كان جل مرمى غرضهم نزول المطر وأهم مسارح النظر عندهم السماء ثم إذا كانوا مضطرين إلى مأوى يؤويهم وإلى حصن يتحصنون فيه ولا مأوى ولا حصن إلا الجبال .

لنا جبل يحتله من نجيره *** منيع يرد الطرف وهو كليل{[7452]}

فما ظنك بالتفات خاطرهم إليها ؟ ثم إذا تعذر طول مكثهم في منزل ومن لأصحاب مواش بذاك كان عقد الهمة عندهم بالتنقل من أرض إلى سواها من عزم الأمور فعند نظره هذا أيرى البدوي إذا أخذ يفتش عما في خزانة الصور له لا يجد صورة الإبل حاضرة هناك أو لا يجد صورة السماء لها مقارنة أو تعوزه صورة الجبال بعدهما أو لا تنص إليه صورة الأرض تليها بعدهن ؟ لا وإنما الحضري حيث لم تتآخذ عنده تلك الأمور وما جمع خياله تلك الصور على ذلك الوجه وإذا تلا الآية قبل أن يقف على ما ذكرت ظن النسق بجهله معيبا للعيب فيه انتهى .


[7452]:قائله السموءل من قصيدته التي مطلعها: إذا المرء لم يدنس من اللؤم عرضه *** فكلل رداء يرتديه جميل نجيره نحميه منبع حصين، الطرف البصر، كليل تعب قاصر النظر.