اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{وَإِلَى ٱلۡأَرۡضِ كَيۡفَ سُطِحَتۡ} (20)

قوله : { وَإِلَى الأرض كَيْفَ سُطِحَتْ } ممهدة ، أي : بسطتْ ومدتْ ، واستدل بعضهم بهذا على أن الأرض ليست بكرةٍ .

قال ابنُ الخطيب{[60016]} : وهو ضعيف ؛ لأن الكرة إذا كانت في غاية العطمة تكون كل قطعة منها كالسطح .

فإن قيل : ما المناسبة بين هذه الأشياء ؟ .

فالجواب : قال الزمخشريُّ{[60017]} : من فسَّر الإبل بالسحاب ، فالمناسبة ظاهرة ، وذلك تشبيه ومجاز ، ومن حملها على الإبل ، فالمناسبة بينها وبين السماء والأرض والجبال من وجهين :

الأول : أن القرآن نزل على العرب ، وكانوا يسافرون كثيراً ، وكانوا يسيرون عليها في المهامه والقفار ، مستوحشين ، منفردين عن الناس ، والإنسان إذا انفرد أقبل على التفكُّر في الأشياء ؛ لأنه ليس معه من يحادثه ، وليس هناك من يشغل به سمعه وبصره ، فلا بد من أن يجعل دأبه الفكر ، فإذا فكر في تلك الحال ، فأوَّل ما يقع بصره على الجمل الذي هو راكبه ، فيرى منظراً عجيباً ، وإن نظر إلى فوق لم ير غير السماء ، وإذا نظر يميناً وشمالاً لم ير غير الجبال ، وإذا نظر إلى تحت لم ير غير الأرض ، فكأنه تعالى أمره بالنظر وقت الخلودِ والانفراد ، حتى لا تحمله داعية الكبر والحسد على ترك النَّظر .

الثاني : أن جميع المخلوقات دالة على الصانع - جلت قدرته - إلا أنها قسمان : منها ما للشهوة فيه حظّ كالوجه الحسن ، والبساتين للنُّزهة ، والذهب والفضة ، ونحوها ، فهذه مع دلالتها على الصَّانع ، قد يمنع استحسانها عن إكمال النظر فيها .

ومنها ما لا حظّ فيه للشهوة كهذه الأشياء ، فأمر بالنظر فيها ، إذ لا مانع من إكمال النظر .


[60016]:الفخر الرازي 31/144.
[60017]:الكشاف 4/745، والرازي 31/144.