ونهاهم عن الشرك والفاحشة التي ما سبقهم بها أحد من العالمين ، فكذبوه واستمروا على شركهم وقبائحهم .
حتى إن الملائكة الذين جاءوه بصورة أضياف حين سمع بهم قوم لوط ، جاؤوهم{[1]} مسرعين ، يريدون إيقاع الفاحشة فيهم ، لعنهم الله وقبحهم ، وراودوه عنهم ،
فأمر الله جبريل عليه السلام ، فطمس أعينهم بجناحه ، وأنذرهم نبيهم بطشة الله وعقوبته { فَتَمَارَوْا بِالنُّذُرِ }
وبلغ منهم الفجور والاستهتار أن يراودوه هو نفسه عن ضيفه - من الملائكة - وقد حسبوهم غلمانا صباحا فهاج سعارهم الشاذ الملوث القذر ! وساوروا لوطا يريدون الاعتداء المنكر على ضيوفه ، غير محتشمين ولا مستحيين ، ولا متحرجين من انتهاك حرمة نبيهم الذي حذرهم وأنذرهم عاقبة هذا الشذوذ القذر المريض .
عندئذ تدخلت يد القدرة ، وتحرك الملائكة لأداء ما كلفوه وجاءوا من أجله : ( فطمسنا أعينهم )فلم يعودوا يرون شيئا ولا أحدا ؛ ولم يعودوا يقدرون على مساورة لوط ولا الإمساك بضيفه ! والإشارة إلى طمس أعينهم لا ترد إلا في هذا الموضع بهذا الوضوح . ففي موضع آخر ورد : ( قالوا : يا لوط إنا رسل ربك لن يصلوا إليك ) . . فزاد هنا ذكر الحالة التي صارت تمنعهم من أن يصلوا إليه . وهي انطماس العيون !
وبينما السياق يجري مجرى الحكاية ، إذا به حاضر مشهود ، وإذا الخطاب يوجه إلى المعذبين : ( فذوقوا عذابي ونذر ) . . فهذا هو العذاب الذي حذرتم منه ، وهذه هي النذر التي تماريتم فيها !
{ وَلَقَدْ رَاوَدُوهُ عَنْ ضَيْفِهِ } وذلك ليلة ورَدَ عليه الملائكة : جبريل ، وميكائيل ، وإسرافيل في صورة شباب مُرد حِسان محنَةً من الله بهم ، فأضافهم لوط [ عليه السلام ] {[27787]} وبعثت امرأته العجوز السوءُ إلى قومها ، فأعلمتهم بأضياف لوط ، فأقبلوا يُهْرَعُونَ إليه من كل مكان ، فأغلق لوط دونهم الباب ، فجعلوا يحاولون كسر الباب ، وذلك عشية ، ولوط ، عليه السلام ، يدافعهم ويمانعهم دون أضيافه ، ويقول لهم : { هَؤُلاءِ بَنَاتِي } يعني : نساءهم ، { إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ } [ الحجر : 71 ] { قَالُوا لَقَدْ عَلِمْتَ مَا لَنَا فِي بَنَاتِكَ مِنْ حَقٍّ } أي : ليس لنا فيهن أرَبٌ ، { وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ مَا نُرِيدُ } [ هود : 79 ] فلما اشتد الحال وأبوا إلا الدخول ، خرج عليهم جبريل ، عليه السلام ، فضرب أعينهم بطرف جناحه ، فانطمست أعينهم . يقال : إنها غارت من وجوههم .
وقيل : إنه لم تبق لهم عيون بالكلية ، فرجعوا على أدبارهم يتحسسون بالحيطان ، ويتوعدون لوطا ، عليه السلام ، إلى الصباح .
وقوله : وَلَقَدْ رَاوَدُوهُ عَنْ ضَيْفِهِ يقول جلّ ثناؤه : ولقد راود لوطا قومه عن ضيفه الذين نزلوا به حين أراد الله إهلاكهم فَطَمَسْنا أعْيُنَهُمْ يقول : فطمسنا على أعينهم حتى صيرناها كسائر الوجه لا يرى لها شقّ ، فلم يبصروا ضيفه . والعرب تقول : قد طمست الريح الأعلام : إذا دفنتها بما تسفي عليها من التراب ، كما قال كعب بن زُهَير :
مِنْ كُلّ نَضّاخَةِ الذّفْرَى إذَا اعْتَرَقَتْ *** عُرْضَتُها طامِسُ الأعْلام مَجْهُولُ
يعني بقوله : طامِسُ الأعْلامِ : مندفن الأعلام . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : وَلَقَدْ رَاوَدُوهُ عَنْ ضَيْفِهِ فَطَمَسْنا أعْيُنَهُمْ قال : عمى الله عليهم الملائكة حين دخلوا على لوط .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : وَلَقَدْ رَاوَدُوهُ عَنْ ضَيْفِهِ فَطَمَسْنا أعْيُنَهُمْ وذُكر لنا أن جبريل عليه السلام استأذن ربه في عقوبتهم ليلة أتوا لوطا ، وأنهم عالجوا الباب ليدخلوا عليه ، فصفقهم بجناحه ، وتركهم عميا يتردّدون .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قول الله : وَلَقَدْ رَاوَدُوهُ عَنْ ضَيْفِهِ فَطَمَسْنا أعْيُنَهُمْ قال : هؤلاء قوم لوط حين راودوه عن ضيفه ، طمس الله أعينهم ، فكان ينهاهم عن عملهم الخبيث الذي كانوا يعملون ، فقالوا : إنا لا نترك عملنا فإياك أن تُنْزِل أحدا أو تُضيفه ، أو تدعه ينزل عليك ، فإنا لا نتركه ولا نترك عملنا . قال : فلما جاءه المرسلون ، خرجت امرأته الشقية من الشقّ ، فأتتهم فدعتهم ، وقالت لهم : تعالوا فإنه قد جاء قوم لم أر قطّ أحسن وجوها منهم ، ولا أحسن ثيابا ، ولا أطيب أرواحا منهم ، قال : فجاؤوه يهرعون إليه ، فقال : إن هؤلاء ضيفي ، فاتقوا الله ولا تحزوني في ضيفي ، قالوا : أو لم ننهك عن العالمين ؟ أليس قد تقدمنا إليك وأعذرنا فيما بيننا وبينك ؟ قال : هؤلاء بناتي هنّ أطهر لكم فقال له جبريل عليه السلام : ما يهولك من هؤلاء ؟ قال : أما ترى ما يريدون ؟ فقال : إنا رسل ربك لن يصلوا إليك ، لا تخف ولا تحزن إنا منجوك وأهلك إلا امرأتك ، لتصنعنّ هذا الأمر سرّا ، وليكوننّ فيه بلاء قال : فنشر جبريل عليه السلام جناحا من أجنحته ، فاختلس به أبصارهم ، فطمس أعينهم ، فجعلوا يجول بعضهم في بعض ، فذلك قول الله : فَطَمَسْنا أعْيُنَهُمْ فَذُوقُوا عَذَابِي وَنُذُرِ .
حُدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : أخبرنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : وَلَقَدْ رَاوَدُوهُ عَنْ ضَيْفِهِ جاءت الملائكة في صور الرجال ، وكذلك كانت تجيء ، فرآهم قوم لوط حين دخلوا القرية . وقيل : إنهم نزلوا بلوط ، فأقبلوا إليهم يريدونهم ، فتلقّاهم لوط يناشدهم الله أن لا يخزوه في ضيفه ، فأبوا عليه وجاؤوا ليدخلوا عليه ، فقالت الرسل للوط خلّ بينهم وبين الدخول ، فإنا رسل ربك ، لن يصلوا إليك ، فدخلوا البيت ، وطمس الله على أبصارهم ، فلم يروهم وقالوا : قد رأيناهم حين دخلوا البيت ، فأين ذهبوا ؟ فلم يروهم ورجعوا .
وقوله : فَذُوقُوا عَذَابِي وَنُذُرِ يقول تعالى ذكره : فذوقوا معشر قوم لوط من سذوم ، عذابي الذي حلّ بكم ، وإنذاري الذي أنذرت به غيركم من الأمم من النكال والمثلات .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.