تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{ٱتَّخَذُوٓاْ أَيۡمَٰنَهُمۡ جُنَّةٗ فَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ فَلَهُمۡ عَذَابٞ مُّهِينٞ} (16)

{ اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً } أي : ترسا ووقاية ، يتقون بها من لوم الله ورسوله والمؤمنين ، فبسبب ذلك صدوا أنفسهم وغيرهم عن سبيل الله ، وهي الصراط الذي من سلكه أفضى به إلى جنات النعيم . ومن صد عنه فليس إلا الصراط الموصل إلى الجحيم ، { فَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ } حيث استكبروا عن الإيمان بالله والانقياد لآياته ، أهانهم بالعذاب السرمدي ، الذي لا يفتر عنهم ساعة ولا هم ينظرون .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{ٱتَّخَذُوٓاْ أَيۡمَٰنَهُمۡ جُنَّةٗ فَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ فَلَهُمۡ عَذَابٞ مُّهِينٞ} (16)

ثم يعود السياق إلى المنافقين الذين يتولون اليهود ، فيصور بعض أحوالهم ومواقفهم ، ويتوعدهم بافتضاح أمرهم ، وسوء مصيرهم ، وانتصار الدعوة الإسلامية وأصحابها على الرغم من كل تدبيراتهم :

ألم تر إلى الذين تولوا قوما غضب الله عليهم ? ما هم منكم ولا منهم ، ويحلفون على الكذب وهم يعلمون . أعد الله لهم عذابا شديدا ، إنهم ساء ما كانوا يعملون . اتخذوا أيمانهم جنة فصدوا عن سبيل الله ، فلهم عذاب مهين . لن تغني عنهم أموالهم ولا أولادهم من الله شيئا . أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون . يوم يبعثهم الله جميعا فيحلفون له كما يحلفون لكم ويحسبون أنهم على شيء . ألا إنهم هم الكاذبون . إستحوذ عليهم الشيطان فأنساهم ذكر الله ، أولئك حزب الشيطان ، ألا إن حزب الشيطان هم الخاسرون . .

وهذه الحملة القوية على المنافقين الذين يتولون قوما غضب الله عليهم - وهم اليهود - تدل على أنهم كانوا يمعنون في الكيد للمسلمين ، ويتآمرون مع ألد أعدائهم عليهم ؛ كما تدل على أن سلطة الإسلام كانت قد عظمت ، بحيث يخافها المنافقون ، فيضطرون - عندما يواجههم رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] والمؤمنون بما يكشفه الله من تدبيراتهم ومؤامراتهم - إلى الحلف بالكذب لإنكار ما ينسب إليهم من مؤامرات وأقوال ؛ وهم يعلمون أنهم كاذبون في هذه الأيمان .

إنما هم يتقون بأيمانهم ما يتوقعونه من مؤاخذتهم بما ينكشف من دسائسهم : اتخذوا أيمانهم جنة أي وقاية . وبذلك يستمرون في دسائسهم للصد عن سبيل الله !

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{ٱتَّخَذُوٓاْ أَيۡمَٰنَهُمۡ جُنَّةٗ فَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ فَلَهُمۡ عَذَابٞ مُّهِينٞ} (16)

{ اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ }أي : أظهروا الإيمان وأبطنوا الكفر ، واتقوا بالأيمان الكاذبة ، فظن كثير ممن لا يعرف حقيقة أمرهم صدقهم فاغتر بهم ، فحصل بهذا صد عن سبيل الله لبعض الناس{ فَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ } أي : في مقابلة ما امتهنوا من الحلف باسم الله العظيم في الأيمان الكاذبة الحانثة .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{ٱتَّخَذُوٓاْ أَيۡمَٰنَهُمۡ جُنَّةٗ فَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ فَلَهُمۡ عَذَابٞ مُّهِينٞ} (16)

وقوله : { اتّخَذُوا أيمانَهُمْ جُنّةً }يقول جلّ ثناؤه : جعلوا حلفهم وأيمانهم جنة يسجنون بها من القتل ويدفعون بها عن أنفسهم وأموالهم وذراريهم ، وذلك أنهم إذا اطلع منهم على النفاق ، حلفوا للمؤمنين بالله إنهم لمنهم فَصَدّوا عَنْ سَبِيلِ اللّهِ يقول جلّ ثناؤه : فصدّوا بأيمانهم التي اتخذوها جنة المؤمنين عن سبيل الله فيهم ، وذلك أنهم كفرة ، وحكم الله وسبيله في أهل الكفر به من أهل الكتاب القتل ، أو أخذ الجزية ، وفي عبدة الأوثان القتل ، فالمنافقون يصدّون المؤمنين عن سبيل الله فيهم بأيمانهم إنهم مؤمنون ، وإنهم منهم ، فيحولون بذلك بينهم وبين قتلهم ، ويمتنعون به مما يمتنع منه أهل الإيمان بالله .

وقوله : { فَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ }يقول : فلهم عذاب مُذِلّ لهم في النار .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{ٱتَّخَذُوٓاْ أَيۡمَٰنَهُمۡ جُنَّةٗ فَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ فَلَهُمۡ عَذَابٞ مُّهِينٞ} (16)

{ اتخذوا أيمانهم } أي التي حلفوا بها وقرىء بالكسر أي إيمانهم الذي أظهروه { جنة } وقاية دون دمائهم وأموالهم { فصدوا عن سبيل الله }فصدوا الناس في خلال أمنهم عن دين الله بالتحريش والتثبيط { فلهم عذاب مهين }وعيد ثان بوصف آخر لعذابهم وقيل الأول عذاب القبر وهذا عذاب الآخرة .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{ٱتَّخَذُوٓاْ أَيۡمَٰنَهُمۡ جُنَّةٗ فَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ فَلَهُمۡ عَذَابٞ مُّهِينٞ} (16)

وقرأ جمهور الناس : «أيمانهم » جمع يمين . وقرأ الحسن بن أبي الحسن : «إيمانهم » ، أي يظهرونه من الإيمان والجنة : ما يتستر به ويتقي المحذور ، ومنه المجن : وهو الترس ، وقوله { فصدوا عن سبيل الله } يحتمل أن يكون الفعل غير متعد كما تقول صد زيد ، أي صدوا هم أنفسهم عن سبيل الله والإيمان برسوله ، ويحتمل أن يكون متعدياً ، أي صدوا غيرهم من الناس عن الإيمان ممن اقتدى بهم وجرى في مضمارهم ، ويحتمل أن يكون المعنى { فصدوا } المسلمين عن قتلهم ، وتلك { سبيل الله } فيهم لكن ما أظهروه من الإيمان صدوا به المسلمين عن ذلك ، والمهين : المذل من الهوان .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{ٱتَّخَذُوٓاْ أَيۡمَٰنَهُمۡ جُنَّةٗ فَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ فَلَهُمۡ عَذَابٞ مُّهِينٞ} (16)

جملة مستأنفة استئنافاً بيانياً عن جملة { ويحلفون على الكذب وهم يعلمون } [ المجادلة : 14 ] ، لأن ذلك يثير سؤال سائل أن يقول : ما ألجأهم إلى الحلف على الكذب ، فأجيب بأن ذلك لقضاء مآربهم وزيادة مكرهم . ويجوز أن تجعل الجملة خبراً ثانياً لأن في قوله : { إنهم ساء ما كانوا يعملون } [ المجادلة : 15 ] وتكون داخلة في التعليل .

والجُنّة : الوقاية والسترة ، من جَنّ ، إذا استتر ، أي وقاية من شعور المسلمين بهم ليتمكنوا من صدّ كثير ممن يريد الدخول في الإِسلام عن الدخول فيه لأنهم يختلقون أكذوبات ينسبونها إلى الإِسلام والمسلمين وذلك معنى التفريع بالفاء في قوله تعالى : { فصدوا عن سبيل الله } .

و « صدُّوا » يجوز أن يكون متعدّياً ، وحذف مفعوله لظهوره ، أي فصدُّوا الناسَ عن سبيل الله ، أي الإِسلام بالتثبيط وإلصاق التهم والنقائص بالدين . ويجوز أن يكون الفعل قاصراً ، أي فصدّوا هُم عن سبيل الله ومجيء فعل « صدوا عن سبيل الله » ماضياً مفرعاً على { اتخذوا أيمانهم جنة } مع أن أيمانهم حصلت بعد أن صدوا عن سبيل الله على كلا المعنيين مراعى فيه التفريع الثاني وهو { فلهم عذاب مهين } .

وفُرع عليه { فلهم عذاب مهين } ليعلم أن ما اتخذوا من أيمانهم جُنّة سبب من أسباب العذاب يقتضي مضاعفة العذاب . وقد وصف العذاب أول مرة بشديد وهو الذي يجازون به على تولّيهم قوماً غَضِب الله عليهم وحلفهم على الكذب .

ووصف عذابهم ثانياً ب { مهين } لأنه جزاء على صَدّهم النّاس عن سبيل الله . وهذا معنى شديد العذاب لأجل عظيم الجرم كقوله تعالى : { الذين كفروا وصدّوا عن سبيل الله زدناهم عذاباً فوق العذاب } [ النمل : 88 ] .

فكان العذاب مناسباً للمقصدين في كفرهم وهو عذاب واحد فيه الوصفان . وكرر ذكره إبلاغاً في الإِنذار والوعيد فإنه مقام تكرير مع تحسينه باختلاف الوصفين .