إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{ٱتَّخَذُوٓاْ أَيۡمَٰنَهُمۡ جُنَّةٗ فَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ فَلَهُمۡ عَذَابٞ مُّهِينٞ} (16)

{ اتخذوا أيمانهم } الفاجرةَ التي يحلفونَ بِهَا عندَ الحاجَةِ وقُرِئَ بكسرِ الهمزةِ أيْ إيمانُهُم الذي أظهروه لأهل الإسلامِ { جُنَّةُ } وقايةً وسترةً دونَ دمائِهم وأموالِهم فالاتخاذُ على هذهِ القراءةِ عبارةٌ عن التسترِ بما أظهروه بالفعلِ وأمَّا عَلى القراءةِ الأولى عبارةٌ عن إعدادِهم لأيمانِهم الكاذبةِ وتهيئتِهم لَها إلى وقتِ الحاجةِ ليحلفوا بِهَا ويتخلصُوا من المؤاخذةِ لا عنِ استعمالِها بالفعلِ ، فإنَّ ذلك متأخرٌ عنِ المؤاخذة المسبوقةِ بوقوعِ الجنايةِ والخيانةِ ، واتخاذُ الجُنَّةِ لاَ بُدَّ أنْ يكونَ قبلَ المؤاخذةِ وعن سبَبِها أيضاً كَمَا يعربُ عنْهُ الفاءُ في قولِهِ تَعَالى :{ فَصَدُّوا } أي الناس { عَن سَبِيلِ الله } في خلالِ أمنهِم بتثبيطِ من لقوا عنِ الدخولِ في الإسلامِ وتضعيفِ أمرِ المسلمينَ عندهُمْ ، { فَلَهُمْ عَذَابٌ مهِينٌ } وعيدٌ ثانٍ بوصفٍ آخرَ لعذابِهم وقيلَ : الأولُ عذابُ القبرِ وَهَذا عذابُ الآخرةِ .